رؤية لعلاقات اليمن الخارجية بعد الفترة الانتقالية
بقلم/ عبدالوهاب العمراني
نشر منذ: 11 سنة و 4 أشهر و 28 يوماً
الأربعاء 19 يونيو-حزيران 2013 05:52 م

اليمن بحكم خصوصيته الجغرافية والاجتماعية وتعداده السكاني وكذا من خلال تاريخه السياسي الحديث يعكس جُملة إشكالات وأزمات سياسية متلاحقة منذ أكثر من خمسة عقود مضت .

فحالات عدم الاستقرار التي لازمت اليمن والصراع الداخلي بين اشطريه وحتى بعد وحدته في العام 1990 حيث دخل في سلسلة من عدم الثقة بين أطراف صانعي الوحدة فكان إبطالها ينظر كل طرف برؤية أنانية إقصائية ، ناهيك عن هموم ومشاكل أخرى كان اليمن في غنى عنها كالمغامرات العسكرية في صعدة والتي كانت في كل جولة تمهد لولادة حرب أخرى فلا هي التي حسمتها ولا عالجتها قبل أو بعد تلك الحروب ، وبعد سلسلة الإخفاقات ولدت صعوبات تنموية في جسم الوحدة الوطنية وهو الأمر الذي انعكس على أحداث لاحقة انتهت بثورة الربيع العربي بنسخته اليمنية . وبسبب عدم وجود رؤية يمنية إستراتيجية لمقومات النهوض التنموية وعدم استطاعته على تجاوز حالات الفقر والعوز ليس لندرة الموارد ولكن لسوء إدارة الدولة فهناك بلدان عربية شحيحة في مواردها كالأردن ومع ذلك في ظروف اقتصادية أفضل نسبيا ولكن الأخيرة يعزى نموها المستمر إلى أوضاعها المستتبة سياسيا وهو الأمر الذي يفتقده اليمن للأسف. فاليمن غدا ضحية سلسلة متواصلة من حالات عدم الاستقرار والأزمات المولدة لمزيد من عدم التوافق الداخلي وتداعياته الخطيرة على الأمن الإقليمي .

خلال العقود المنصرمة والعالم ينظر لليمن مجرد بؤرة من بؤر التوتر في أطراف الجزيرة العربية الغنية بالنفط والقريبة من مداخل البحر الأحمر وهذا الموقع الجيوبلتكي أضفى عليها أهمية وتسابق دولي ، ولكنه على ارض الواقع لم يثمر لاستقرار اليمن فمنذ سنوات ولاسيما غداة أحداث سبتمبر في الولايات المتحدة ، وتعرض مصالح غربية لاعتداءات في المياه الإقليمية اليمنية ونحو ذلك كما يصور في الإعلام الخارجي فقط على الجانب الأمني .

الملفت بأن المجتمع الدولي بل حتى دول الجوار العربي لا ترى في اليمن إلا من المنظور الأمني فغدا اليمن مرتعاً لنشاط القاعدة وقام بمقارعتها نيابة عن جيرانه ، كما ان العون الغربي ولاسيما الأمريكي تحديدا يركز على هذا الجانب ففي السنوات المنصرمة تكاد المساعدات واشنطن تتمحور عن الجانب الأمني والتدريب ومراقبة السواحل اليمنية ونحو ذلك وكأن معضلة اليمن فقط تتمحور في الإرهاب والقاعدة غير مدركين بأن الهموم الاقتصادية وعدم وجود دولة مدنية قوية تفرض سيطرتها على كل بقاعها هو بمثابة بؤرة لانتعاش كل تلك المشاكل الأمنية وتحتاج اليمن مزيداً من الدعم الدولي أشبه بمشروع مارشال لكي تستعيد اليمن أنفاسها وتهيئ لبيئة استثمارية لتحرك عجلة الاقتصاد ولتبدءا في إيجاد فرص العمل لأكبر شريحة ممكنة ومن ذلك استغلال ما تتمع به اليمن من مؤهلات تستقطب سياح من كل بقاع الدنيا ء لو توفرت بنية تحتية لقفزة سياحية مؤملة ، لتكون واجهة سياحية لما تتمتع به من مقومات السياحة المتنوعة من طبيعة وأثآر وجُزر ونحو ذلك ، وفي مؤتمر المانحين في العام 2006 تحمّست الدول المانحة عربية وغربية وغيرهما لمد يد العون لليمن ولكن انشغال القيادة اليمنية بمشاكل داخلية سواء آخر حروبها مع ماسمى بالحوثيين وبداء تذمر قطاعات كبيرة من الشعب في جنوب البلاد فيما سمى بالحراك والذي كان الشرارة لثورة شعبية عارمة استلهمت وهجها من شرارة ثورة تونس ومصر ، كل ذلك لم يجعل قيادة الدولة اليمنية المتهالكة من استيعاب تلك المساعدات وتوظفها في أماكنها المفترضة ، وهاهي الدولة بدأت تسترجع أنفاسها وتلملم جروحها ويجلس كل ألوان الطيف السياسي في طاولة الحوار الوطني

يتوقع للسياسة الخارجية اليمنية في السنوات المقبلة بأن تستند لرؤية واضحة وإستراتيجية نابعة من قناعة اليمنيين في انفتاح كامل في الدائرة الإقليمية او الدولية تأخذ بنظر الاعتبار التوازن الإقليمي وهو ما لم يكن في هذه الفترة وسابقتها ولاسيما مع إيران بغض النظر عن دورها المفترض داخليا وإقليما، وهى حقيقة كأي قوة إقليمية لها طموحاتها في المنطقة ، وهذا من بداهة الأشياء ، ولكن السياسة هي فن تطويع المستحيل وتليين الصعوبات ، ولابد لسياستنا الخارجية أن تكون وفق رؤية واضحة ومتزنة ومستندة لمراكز بحوث تُسدى النصح والمشورة فضلا عن مراكز لاستطلاع الرأي العام في رسم ملامح بعض خطوطها بعكس ما كان الأمر في الماضي ، تماما كما هو معمول به في اغلب بلدان المنطقة بحيث يحفظ لها التوازن في تلك العلاقات.

الراصد لسير علاقات اليمن مع العالم الخارجي ومع أوروبا تحديداً في الآونة الأخيرة تكون في غالبها المبادرات من طرف واحد بمعنى ان العالم يطلب ودنا ويقدر ظروف اليمن الاقتصادية بعد معاناته لسنوات جراء حروب داخلية ومن ثم الثورة التي أنهكت اقتصاده ، وكان للعامل الإقليمي والدولي دورا مشهودا في رعاية العملية السياسية ، بينما الدبلوماسية اليمنية ليست مهيأة للتفاعل النشط في الشكل والمضمون لنفس الاعتبارات السابقة.

الجانب الايجابي في تفاعل العالم الخارجي بالنسبة لليمن بأن هناك ما يشبه الإجماع الدولي في الحرص على استقرار اليمن وستعود اليمن لحاضرة الإحداث من بوابة التنمية بعد طمأنة المجتمع الدولي على توافق رأى المتحاورين في تصورهم لرسم ملامح بلدهم ، ومن نافلة القول هنا وإثر التحولات التي تشهدها وشهدتها بلادنا يفترض بداهة وضع خطط مستحدثة أو تفعيل خطط تعثرت بفعل تبعات الفترة السابقة حيث كانت تنطلق بعضها وخصوصا ما يتعلق بعلاقات اليمن الخارجية والتعاون الدولي وفق مفاهيم مزاجية خاصة او الاعتماد على أساليب وأدوات غير فعاله ووفق نظرة سطحية أحيانا دون ان تستفيد وتحاكي تجارب بلدان أخرى ، وذلك بغرض الإسراع بنهوض البلاد بعد ركود وسبات طويل.

المؤمل في الفترة المقبلة هو حشد الدبلوماسية اليمنية مع كل الأجهزة المعنية في تقديم صورة واضحة ودقيقة بصور شمولية يمكن من خلالها التنسيق مع شركاء التنمية في اليمن من الدول الشقيقة الخليجية والداعمة للمبادرة الخليجية او بقية الدول المانحة سواء من بلدان الاتحاد الأوروبي او بلدان أخرى كاليابان والصين وغيرهما

وقد لا تستدعي الضرورة للدعوة لعقد مؤتمر دولي لإنعاش التنمية في اليمن بقدر ما تحتاج لتفعيل توصيات وقرارات المؤتمرات الدولية بخصوص اليمن والإيفاء بالتزامات سابقة ، سواء تلك التي انعقدت على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة او مؤتمر الرياض وغير ذلك ، او حتى الدعوة لمؤتمر ولقاء آخر من شأنه طرح المستجدات في اليمن بعد بداء الحوار السياسي وملامح انفراج الأزمة السياسية التي لازمته منذ أكثر من عامين.