السلم الإجتماعي
بقلم/ منصور صالح الفقيه
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و يوم واحد
الثلاثاء 12 فبراير-شباط 2013 05:41 م
قال تعالى “[وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ]“الانفال.

السلم كلمة واضحة المعنى، تعبر عن ميل فطري في أعماق كل إنسان، وتحكي رغبة جامحة في أوساط كل المجتمع، وتشكل غاية وهدفاً نبيلاً لجميع الأمم والشعوب والقبائل.

والسلم من السلام وأصله السلامة أي البراءة والعافية والنجاة من العيوب والآفات والأخطار والمشاكل.

ويطلق السلم بلغاته الثلاث السِلم والسَلم والسَلَم على ما يقابل حالة الحرب والصراع والدمار.

قال ابن منظور: السَلم والسِلم: الصلح، وتسالموا: تصالحوا، والخيل إذا تسالمت تسايرت لا تهيج بعضها بعضا.

والتسالم: التصالح. والمسالمة: المصالحة. وحكي السلم والسلم: الاستسلام وضد الحرب. وكمثال على إطلاق السلم كحالة مقابلة للحرب والقتال يمكن الاستشهاد بقول عباس بن مرداس:السلم تأخذ ما رضيت به والحرب تكفيك من أنفاسها جزع وتقول العرب: أسلم أم حرب، أي أنت مسالم أم محارب.

قد يكون الحديث عن السلم أو الحرب على صعيد علاقة المجتمع بمجتمعات أخرى؛ أو يكون على مستوى الوضع الداخلي للمجتمع والعلاقات القائمة بين أجزائه وفئاته؛ فهناك مجتمع يعيش حالة احتراب وصراع داخلي، ومجتمع تسوده أجواء الوئام والانسجام والوفاق.

وحديثنا عن السلم الاجتماعي أقصد به حالة السلم والوئام والحب والإخاء داخل المجتمع نفسه وفي العلاقة بين فئاته وقواه.

إن من أهم المقاييس الأساسية لتقويم أي مجتمع، هو تشخيص حالة العلاقات الداخلية فيه، فسلامة هذه العلاقة علامة على صحة المجتمع وإمكانية نهوضه، بينما اهتراؤها دلالة سوء وتخلف.

يقول مالك بن نبي: نستطيع أن نقرر أن شبكة العلاقات هي العمل التاريخي الأول الذي يقوم به المجتمع ساعة ميلاده.

ومن اجل ذلك كان أول عمل قام به المجتمع الإسلامي هو الميثاق الذي يربط بين الأنصار والمهاجرين، الإخاء ثم يشير بن نبي إلى أنه كما كانت العلاقات الداخلية السلمية هي نقطة الانطلاق في تاريخ المسلمين، فإن تدهورها كان مؤشر السقوط والانحطاط، لقد كان المجتمع الإسلامي إبان أفوله غنياً، ولكن شبكة علاقاته الاجتماعية قد تمزقت؛ وهكذا الأمر دائما، فإذا تطور مجتمع ما على أية صورة، فإن هذا التطور مسجل كماً وكيفاً في شبكة علاقاته.. وعندما يرتخي التوتر في خيوط الشبكة، فتصبح عاجزة عن القيام بالنشاط المشترك بصورة فعالة، فذلك أمارة على أن المجتمع مريض، وانه ماض إلى النهاية.

أما إذا تفككت هذه الشبكة نهائياً، فذلك بداية هلاك المجتمع؛ وحيئنذ لا يبقى منه غير ذكرى مدفونة في كتب التاريخ كان يا ما كان.

ولقد تحين هذه النهاية والمجتمع متخم بالأشخاص والأفكار والأشياء، كما كان حال المجتمع الإسلامي في الشرق، في نهاية العصر العباسي، وفي المغرب في نهاية عصر الموحدين، جاء الإسلام دعوة للسلم والسلام على مستوى العالم اجمع والبشرية جمعاء (والله يدعو إلى دار السلام) وقد تكرر الحديث عن السلم والسلام في أكثر من خمسين آية في القرآن الكريم؛ يقول تعالى: (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام)، ويقرر القرآن الكريم أن المبدأ الأساس في العلاقات بين البشر هو مبدأ السلم والتعاون يقول تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم)، كما يوجه الإسلام الأمة المسلمة إلى إنشاء العلاقات السلمية القائمة على البر والقسط والإحسان مع الأمم الأخرى، أما المواجهة فهي محصورة في حدود من يمارس العدوان ضد الإسلام والمسلمين، أو يمنع حركة الدعوة إلى الله تعالى، يقول تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، ويقول تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) وحتى لو نشبت الحرب والمعركة مع المعادين المعتدين فإن الإسلام يشجع على اغتنام أي فرصة لإيقاف الحرب والقتال إذا ما اظهر الطرف الآخر إرادته في التراجع عن عدوانه والرغبة في إقامة علاقات سلمية، يقول تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله).

نسأل من الله أن نكون من المسالمين الداعيين للسلم الجانحين إليه والله الموفق.