القبيلة بين قبعة دولة الظل الثورية ...والمائدة الحوارية!!
بقلم/ د.عبدالكريم القدسي
نشر منذ: 11 سنة و 11 شهراً و 16 يوماً
الأربعاء 28 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 12:40 م

لم أكن يوم من الأيام اتخذ من القبيلة مرجعية لرسم خطاي على تراب وطني الحبيب (اليمن) ،لكني عزمت أن يكون فكري وعقلي والمحيط المتعلم ومفردات التنوير الديني والثقافي هو التأثير الحقيق الذي ينير الطريق، ويرسم للحياة عذب خطى كي أكون أنا من يتخذ قرارات تخص شخصيتي ومفردات حياتي، سواء فيما يتعلق بتعاملاتي اليومية مع من حولي أو قراراتي التي تصب في فهم ذاتي ، بدأنا وتعلمنا من أول خطوات التعليم ومراحله المختلفة أن الدولة ومؤسساتها التشريعية والضبطية جزأ لا يتجزأ من تنظيم شؤون الحياة في وطني، سواء فيما يتعلق بعلاقة الفرد بالدولة أو علاقة الفرد بمحيطه المجتمعي، ولم يكن شيخ المنطقة مهيمنا نافذا أو جبروتا طاغيا، يتخذ من موقعة هالة قبلية محاط بجنود البشمرجة والانتهازيون ممن يذكون روح الصراع ويزيدون من هوة الخلاف بين الخصوم في مجلس الشيخ، لم اسمع يوما من الأيام أن القبيلة تبيح التقطع والسلب والنهب وحماية الظالم والقاتل أو تشجع السطو على حقوق العوام وحرمات أموالهم وأعراضهم، لم أسمع إباحة الفيد عندما يتعلق الأمر بالصراعات السياسية التي تحدث هنا وهناك على رحى الوطن،وهنا يبدوا أن العلم والتوعية قد أخذا بعدا تنظيميا لاحترام الحياة والالتزام بالحقوق والواجبات على أضيق موقع تقف عليه أقدامنا،نعم كنا نسمع وندرك من أن القبيلة في صنعاء ومحيطها من المحافظات هي البعد الأوسع لتقاسم المصالح مع الدولة والاستئساد على خيرات الوطن ومقدراته، وكنا نرى أن الرئيس السابق(صالح) يحتكم إلى القبيلة بداخل قصره الجمهوري، وسعى جاهداً أن يكون للقبيلة والمشايخ حضور فاعل في حياته السياسية التحالفية، سواء مع القبيلة أو مراكز القوى المتغطرسة ، وبقيت القبلية بأعرافها سكنى قصره الرئاسي، وسعى حثيثا لإرضاء القبيلة والمتنفذين على حساب شعبه ووطنه بغية البقاء على سدة الرئاسة، أو لربما كان الأمر أخطر من ذلك بكثير، من أن بقائه وحكمة يدخل ضمن معادلة المصالح بينه وبين القبيلة و الجارة التي تتحكم بقوة في الحياة السياسية من جهة أخرى ، ما جعل الرئيس السابق يساعد في بناء إمبراطورية مال قبلية، بفضل دعم القرار السياسي وسلطة القبيلة لتلك الإمبراطورية ، وذلك على حساب رجال الأعمال الأكثر التزاما وإسهاما في الارتقاء بالوطن ،وهؤلاء أكثر استمرارية بدفع ما عليهم من التزامات للدولة من ضرائب ونحو ذلك من إتاوات حماية للمتسلطين في ضل الحقوق المهدورة،،،

هكذا ضلت الحياة تسير بعكازين أحدهما بيد القبيلة والأخرى بيد الحاكم،وبقي الشعب مغيبا في معادلة المنافع هذه بين القبيلة والحاكم ورجالاتها المتواجدون على رأس الهرم السلطوي في مختلف مؤسسات الوطن الأمنية والعسكرية والمدنية، وعندما أرادت القبيلة أن تتحول من دولة ظل إلى واجهة سياسية كان لها حساباتها الخاصة، وسعت إلى الانضواء تحت مسميات حزبية  (المؤتمر-الإصلاح) تكوينية الحداثة حينها، وبما تحمل من سمات تسلطية تقليدية أو دينية، وعمدت القبيلة إلى اختزال المهنية الأمنية والعسكرية، ما أدى إلى تشظي المؤسستان الأمنية والعسكرية، وتكوين أجنحة عسكرية وأمنية خاصة إلا من رحم ربي ، ويعزي السبب في ذاك إلى الزواج النفعي بين السلطة والقبيلة، وكذا هيمنة القبيلة عرفيا واحتكام رموز السلطة للعرف قبل الأنظمة واللوائح والقوانين المؤسساتية، من هنا زادت هوة العبث بالوطن وتبديد خيراته وإهدار كرامة أبنائه وضياع حقوقهم، وأصبح الصراع مهيمنا بارعا في حياتنا المجتمعية والسياسية والقبلية، لتغدوا القبيلة على موعد مع حقيقة تلازم مزواجة السلطة والمال،بل وأرادت لنفسها صدارة التحكم بالحياة برمتها ،ما أدى إلى بروز الصراع السياسي بألوانه الثلاثة (عسكري-حزبي-ديني)، ليأتي فجر التغيير وصحوة الأرض والإنسان للمطالبة بالتغيير الحقيقي لمكونات العبث السياسي القبلي، وتغيير مواقع التحكم في مؤسسات الوطن وموارده، لتصبح على قدر من العدالة في توزيع المناصب في تلك المواقع،وذلك بين مكونات الشعب على مختلف شرائحهم ومشاربهم السياسية والقبلية وكذا منظماته المجتمعية المستقلة،،،،

من هنا بدأت القبيلة تبرز بلون جديد من تغيير جلدتها وجلبابها وتنطوي تحت قبعة الثورية ولا ثورة في ضميرها سوى اللهث وراء المصالح وتغيير جلدتها مع مقتضيات التغيير في كل مرحلة تاريخية أو أحداث سياسية بارزة، لتضمن بذلك موقعها بغية الحفاظ على ما تم الاستئساد عليه، سواء كهبات رئاسية أو انتهاز وسطو بفعل سلطة القوة وقوة السلطة الذي مارسته وتمارسه القبيلة، ولن نتقدم خطوات في طريق الاتفاق الحواري بين مكونات الشعب وشرائحه إلا عندما تنبذ القبلية ما تسمية حقها السماوي في الفيد ومغذياته الأخرى من تقطعات ونهب وسلب وإخافة السبيل،وما كان في ماضيها عبث يومي يجب أن يتحول في حاضرها إلى انتصار على كل الأيادي التي تسعى إلى تشويه ارثها المبجل(الكرم-الشجاعة-الشهامة،،،الخ)، لتصبح جزأ فاعل من مكونات الشعب ودولته المدنية المأمولة، وأقول للجميع من أحزاب ومشيخات، وكذا فرقاء العمل السياسي ومنظمات المجتمع المستقلة: لا مدنية تلوح في الأفق إلا عندما تكون القبيلة على إيمان مدرك لحاجة اليمن للتقدم والتطور، لتبدأ حينها في تحسين أدائها في الحياة ودمجها ضمن تكويناتها كفعل مؤثر على المستوى الايجابي لخطاها،وهانحن اليوم على استشراف البدء بمرحلة الحوار الوطني بين مكونات الحياة على مختلف مشاربهم الفكرية والسياسية والثقافية والنخب المستقلة، ولا معنى للحوار إن لم تكن مراكز القوى القبلية والدينية والعسكرية أكثر يقين بحتمية التغيير عبر التبادل السلمي للسلطة، و الانتصار لقانون العدالة الانتقالية، وبما يفي بحل كل إشكالات المرحلة السابقة، وإعادة المظالم وتعويض الناس وبما لحق بهم من أذى وظلم، وإعادة المال العام المنهوب وكذا الممتلكات من أراضي وحقوق للعوام، والبت في كل القضايا المتعلقة بالجريمة على مختلف مراتبها والمتضورة أمام المحاكم، ليتم بذلك الولوج في عهد جديد من الحياة السياسية بعيد عن الهيمنة والغطرسة والاستقواء بالقبيلة والعسكر،،ونتمنى أن نرى مكونات الوطن الحوارية على مائدة الحوار يستلهمون قراءة الماضي ويرسمون وحي أمل للحاضر ، ويعملون بهمة بروح الفريق الواحد للانتصار لقضايا العدالة والكرامة وسيادة القانون،وان يدركوا أن الوطن بحاجة إلى رفعة السمو والتطور والتقدم في ظل دولة مدنية وتحت سماء اللحمة اليمنية،،، اليمن أغلى ،والله من وراء القصد،،،،..