أما أنا ففرحت بتلك الإهانة
بقلم/ عبد الإله المنحمي
نشر منذ: 12 سنة و شهر و 13 يوماً
الأحد 30 سبتمبر-أيلول 2012 07:55 م

في إحدى الرحلات الجوية التي أقلتنا من صنعاء إلى دمشق, كان هناك مضيفة مغربية ضمن الطاقم العامل في الطائرة, وكانت الفتاة القادمة من بلاد المغرب العربي تحمل في جعبتها من أزهار الأدب وفنون التعامل ما لو وزع على اهل اليمن لكفاهم.

ولأن الإنسان اليمني لا هو بالأنيق, ولا هو بالمؤدب, فقد احدودب ظهر تلك الفتاة وذهب نصف جمالها في معارك الأخلاق التي تشنها الجيوش اليمنية المسافرة على متن الطائرة, ضد تلك الفتاة العزلاء الأنيقة جدًا, حيث 9 سنوات من العمل في الخطوط الجوية اليمنية, ذاقت خلالها أصناف العذاب وألوان المعاناة, كفيلة بأن تزحزح جبال اليمن والمغرب من أماكنها.

ان الزائر لبلادنا سيندهش –بلا شك- ويصاب بانتكاسات صحية لا يمكن حصرها, عندما يواجه لأول مرة في تاريخه, شعبًا غير محترم, وأمًة تفتقر فقرًا مدقعًا لأبسط كلمات الأدب وعبارات الحياة.

تخيلوا ان القاموس اليومي للمواطن اليمني يكاد يخلو تماما من كلمة«لو سمحت, من فضلك», بينما يزخر بكوكتيل عجيب من الألفاظ النابية عن الذوق, والخارجة عن حدود اللياقة, والتي تشكل خطرا داهما على الأمن والسلام العالمي, هذا بالإضافة الى كون المواطن ذاهبًا في الانتقام من نفسه ومظهره الى آخر نقطة في العقل, على حدود الجنون.

بالعودة للحديث عن الفتاة المنكوبة التي لعنها التاريخ, وطردها الرب من رحمة البقاء مع عباده, إلى جحيم الحياة بجانب الكائنات اليمنية المتطفلة, فقد هبطت الطائرة في مطار القاهرة لمدة ثلاث ساعات, وكانت المضيفة اثناء الرحلة قد تعرضت لطيف واسع من الشتائم العفوية, التي تهرب من أفواه اليمنيين بلا إرادة او توقف, وكانت أثناء الرحلة ايضًا قد عرفت راكبين من خلال ملامحهما وطريقة تعاملهما, بأنهما ليسا يمنيين, لذالك ما ان وقفت الطائرة, حتى فرّت بهمومها وغمومها إليهم.

ولأن «المصائب يجمعن المصابينا» بتعبير احمد شوقي, فقد اجتمع ثلاثتهم يشكون لبعضهم, وربما يبكون ايضًا, وأخذ كل واحد منهم ينثر ما حمله من مآس ونكات اثناء إقامته في اليمن, فمثلا قال احد الشباب, وهو طالب سوري يدرس في «جامعة العلوم والتكنولوجيا» :بينما انا امشي في شارع حدة سمعت احدهم يصرخ بي من الخلف بكلمة «ياوليد», ثم اردف بلهجته السورية :وأنا عمري31 عاما, من المفترض ان يدعوني بــ« يا استاذ, يا معلم, يا حبيب »فالتفتُ إليه وصحتُ به«اذا لم يؤدبك أهلُك, استطيع أنا ان أؤدبك».

شخصيا, عندما سمعت ذالك الرد المهين, على الموزع الحصري لبضاعة «ياوليد» الفاسدة, فرحت كثيرا بهذه الإهانة الرائعة وتمنيت لو كان قد أعطاه مع تلك الجملة صفعة تلقيه على قفاه.

وكان شابٌ يمني الى جانبنا, اخذته الحمية وهو يسمع هذا الكلام, فاشترك بالنقاش وحاول ان يقنع صديقنا السوري, بأن جملة «ياوليد» تعني في اللجهة السورية«يا معلم او يا محترم »لكن السوريّ وهو عربيّ طبعًا, كان يعرف ان في هذا الطرح اكبر مغالطة للقرآن الكريم والسنة الشريفة, اذ ان الفرق واسع, شاسع بين كلمة«يامعلم» المؤدبة, وبين«ياوليد» غير المؤدبة, ولا تسل عن متعتي, وسعادتي الغامرة في تلك اللحظة, وهم يتسلون بنبش التاريخ الوسخ للمجتمع اليمني.

أما صاحبتنا المضيفة فليس لمعاناتها حدود, ولا لمأساتها نهاية, فقد كانت تشكو من أزمتها الخانقة مع ركابها, وتقول «اشعر ان بيني وبينهم-أي الركاب –ثأرا قديما وعداوة مزمنة, اشعر انهم يريدون ضربي مع كل طلب يطلبونه, أتمنى ان اسمع احدهم ذات يوم, وهو يقول لي :لو سمحت, من فضلك».

من يصدق, فتاة بسيطة تستجدي التاريخ اليمني برمته, ان يتفضل عليها ولو بجملة واحدة في الأدب!

وأنا هنا اسأل مستغربًا حد الذهول:أي كارثة أنتجت ذالك الانهيار المخيف لأسهم المجتمع اليمني في بورصة الأخلاق, أي غلطة يمكن ان تكون قد ارتكبت بحق الطبيعة فحرمتنا كل ملامح الحياة, وأي ذنب اقترفتاه مع الله, فنزع عنا كلمة «لو سمحت»وأبدلنا بكلمة «ياوليد»؟