حتى لا يكون اللطم واحدة من قواعد مؤتمر الحوار
بقلم/ فتحي أبو النصر
نشر منذ: 11 سنة و 5 أشهر و 26 يوماً
الثلاثاء 21 مايو 2013 06:03 م

( يا عيبتاه ) يا محمد علي أحمد .لا رجولة في اللطم أبداً و لا فخار فيه . ثم انك داعية الديمقراطية والمدنية والحقوق كما تظهر نفسك .ولقد قدمتك هذه الطريقة للأسف ، بجوهر متطابق وهمجية الشيخ في التعامل مع رعاياه المستضعفين، أو الفندم المتعسف في التعامل مع جنوده المغلوبين .،  والصحيح انك واحد من الجيل الذي تعود على إلقاء الأوامر أصلاً ، وليس على الرأي والرأي الآخر .

والأصح أن تصرفات الناشطة الجنوبية ليزا الحسني ربما كانت مستفزة مثلاً، وهي تدخل قاعة فريق القضية الجنوبية وتملي طلبها بتعليق الجلسات احتجاجاً على حادثة مقتل الشابين حسن أمان وخالد الخطيب على يد مرافقين تابعين لعضو فريق القضية الجنوبية الشيخ علي عبد ربه العواضي الذي لم يسلم القتلة حتى الآن، فيما تطور الموقف إلى ملاسنات حادة بينكما، تجلى في صفعك لها .

إلا أن اللطم ليس هو التصرف السليم الذي يبدر منك كقائد ، وهو كتصرف ماقبل مدني يخلو من الشهامة جداً ، ليس وسيلة ناجعة لإثبات الذات، أو التعبير السياسي عنها ، علاوة على انه ينطوي -وفي هذا السياق بالذات وداخل مؤتمر الحوار -على دلالة الاستعلاء الذكوري المشين تجاه المرأة ونشاطها السياسي تحديداً .

لذلك أنا مع ليزا الحسني في رد اعتبارها كمستضعفة في مجتمع ذكوري ، ومعك في إثبات كفاءتك القيادية قيمياً وأخلاقياً من خلال الاعتذار العلني لها والإقرار بغلطتك .

ولنعتبر هذا الإجراء الراقي كجزء أساسي في تنمية ثقافة التسامح والتعايش والموطنة ، ثقافة القدرة على تمثل المفاهيم المدنية والحقوقية؛ ومن جانب آخر أرى انه سيخلق الاحترام النوعي لك، مالم فإن مواصلة صلف الغرور والعنجهية والاستكبار سيكون مؤشراً سيئاً للمستقبل المدني والثقافي الذي ننشده ونؤمله ، جراء مثل هذه السلوكيات المدانة الصادرة من قبل أعضاء وقادة الحوار الوطني أنفسهم . وبالنتيجة؛ سوف تقودك لامبالاتك عن تحقيق قيمة الاعتذار الضروري والهام إلى تأكيد العنف الكامن في نفسيتك مثلاً كنمط سلوكي مرسخ، وهو الأمر الذي سيسيء إليك وتاريخك في الصميم .

والحاصل ان كثير مراقبين بحكم خبرتك في المراس الصعب راهنوا على إدارتك للخلاف والاختلاف داخل مؤتمر الحوار بشكل ذكي وصحي وسوي ومثمر ، فيما كان صادماً انكشافك بذلك الأداء المنحدر ، ودونما اختلاف قيمي فارق ومن تنتقدهم من المتخلفين "الشماليين ".

وللعلم لم يعملها صادق الأحمر مع امل الباشا مثلاً .

غير أن لك مكانتك المتميزة لدى قطاع واسع من محبيك، بغض النظر اتفقنا معك أم اختلفنا، وعليه لا نظنك سوف تعجز عن إصلاح الخطأ ، كما لا نتوقعك ستكون متصلباً في اعتقادك التبريري .

والشاهد ان كل إنسان يتعرض لارتكاب سلوكيات عدائية جراء عدة ضغوط ونزعات ، إلا أن عظمة الإنسان الحقيقي تكمن في التعبير عن الاحترام الإنساني بعد المراجعة الراقية مع النفس والاعتراف بالانحراف ، مروراً بضبط حالة النفس عند هذا المستوى المتسق مع قيم الخير والحق والجمال، ثم وصولاً لتجاوز حالة الهشاشة الداخلية التي تنتجها الكراهيات باتجاه إحلال حالة الامتلاء الداخلي بالصفاء وبالسلام وبالعدل وبالقانون وبالمحبة وباللاعنف .

ولقد كان عليك أن تتماسك أيها الموغل التاريخي الضليع في تقلبات الشأن السياسي تجاه أي استفزازات ، كما كان عليك ان تظهر بوعي ناضج وبرجاحة عقل وبمسؤولية كبرى كونك المشهود له بالكفاءة والاقتدار من قبل عدة مراقبين في إدارة هكذا مواقف، بل وأشد.

على ان الملاطيم ليست أراء، بقدر ما تبدر عن نفسية رعناء لا اقل ولا أكثر، كما انها تمثل انتهاكا صارخا لكرامة الإنسان الملطوم ، ومع ذلك فقد لطمت امرأة يا محمد علي احمد ، لا احد النافذين كمثال ، أذكرك بهذا علك تدرك الفارق وأنا ضد لغة العنف جذرياً. فيما يبدو مؤسفاً تماماً ان هذا الفعل المشين يجيء منك اليوم وأنت المحسوب كقيادي رفيع في الحراك الجنوبي السلمي ، فضلاً عن انك رئيس فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني" القضية الأولى الأكثر حقوقية وسياسية وشأناً وطنياً لجبر ضرر المعاناة والقهر والمظالم ".

من ناحية أخرى لعلنا نعرف جميعاً ان حادثة مقتل الشابين الجنوبيين أمان والخطيب في صنعاء جاءت في مرحلة حساسة للغاية حتى صارت حادثة رأي عام بامتياز، تلقي بأثرها على النسيج الاجتماعي اليمني الذي يتهلهل يوماً اثر آخر بفعل عديد تصرفات لامعقولة على المستويين الرسمي وغير الرسمي ، إضافة إلى انها تلقي بأثرها على حاضر ومستقبل مؤتمر الحوار، لاشك ، مايجعلنا نستغرب من رفضك الاحتجاج على عدم تسليم القتلة تضامناً مع أهالي القتلى المغدورين، والمتهم الرئيسي في إيوائهم عضواً في الفريق الذي تترأسه داخل المؤتمر ،إلا أننا بقدر احترامنا لرأيك وأسبابك طبعاً، بقدر مانستنكر كل الشتائم المتبادلة بينك والحسني على خلفية الموضوع ، ثم قيامك بلطمها ، وفي مقام كمؤتمر الحوار باعتباره يعمل من اجل فرض قيم التغيير على كافة الأصعدة سياسياً وثقافياً واجتماعياً لا العودة إلى مستنقعات الماضي .

والثابت أن ليزا الحسني – بغض النظر اختلفنا معها أم اتفقنا - ليست متاعاً مع احد وليست تابعاً لأحد ، كما أنها رغم تاريخها الغض كناشطة ، لها مواقف حقوقية ومدنية مشرفة ،وهي في الغالب مع قضايا الناس العاديين بمبدئية وشجاعة وحرارة صدق ، وبالمقابل تبدو خالية من تلك الشوائب والحسابات السياسية المتبعة ، بينما رأسمالها الرمزي عفويتها الملفتة فقط ولو شاب تصرفاتها التسرع . لكن حتى لا يكون اللطم واحدة من قواعد مؤتمر الحوار ، فإنني أطالب رئاسته وأمانته العامة ولجنة الضبط فيه بإجراءات صارمة لا تقبل التسويف ضد كل من يعتدي على زميل له ولا يعتذر .

والمعنى ان على مؤتمر الحوار مناهضة العنف ضد أعضائه جراء اختلاف الآراء بينهم قبل أن يناهض العنف في المجتمع.

وفي الحقيقة لا يمكن لحوار يُهان أعضائه من قبل أعضائه أن يصون حقوق اليمنيين. على أننا –ويا للأسى- نعيش عموماً في مجتمع مأزوم، جرى تشويهه على كافة الأصعدة من اجل ان يشرعن للعنف ، ويبتهج .

وبشكل خاص ، نعيش في مجتمع الغلبة الذكوري شديد العُقد والخواء والبلادة والتخلف ،بينما يشرعن للعنف ضد المرأة أكثر ، ثم يبتهج على نحو مقيت وفج .

وبالتأكيد؛ ليس مؤتمر الحوار سوى مرآة مكثفة لهذا المجتمع اللاقانوني والإنحطاطي والانفصامي واللامنصف والمقرف ،على الرغم من كل النضالات الحثيثة والمكابدة باتجاه تنويره وحثه على التقدم الإنساني وعدم مواصلة انحرافاته الرجعية المتجذرة . غير انه المجتمع العجيب الذي لا يقاوم أمراضه البدائية كما ينبغي ، بقدر ما يتلذذ باقترافه مزيد موبقات قيمية.

وباختصار ؛ تكون الطامة الكبرى حين يتم ذلك في أوساط نخبته أيضاً.

(الفعلة كبيرة ) يامحمد علي أحمد .