مباحثات يمنية سعوديه بخصوص إجراءات سير تأشيرات العمرة اجراءات حكومية رادعة ضد محلات الصرافة المخالفة والمضاربين بالعملة في جميع المحافظات المحررة حشود هادرة بمحافظة تعز تنديدا بجرائم الابادة والتهجير بقطاع غزة الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي رابطة اللاعبين المحترفين تكشف عن المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لشهر أكتوبر دولة خليجية تبدأ بسحب الجنسية من المئات من مطلقات مواطنيها الإنذار المبكر ينشر توقعات الطقس خلال الساعات الـ24 القادمة في 11 محافظة يمنية قراءة تركية: من سيحسم المعركة الانتخابية في أمريكا ويفوز بكرسي الرئاسة؟ أول تعليق من أردوغان على تعيين نعيم قاسم خلفاً لـ نصر الله
التاريخ هو ذاكرة البشرية ومخزون خبراتها المتراكمة، وإليه تلجأ الأمم من أجل الاستفادة من تلك الخبرات لتتمكن من تصحيح عثرات حاضرها صوب بناء مستقبل زاهر ومشرق، وذلك مادفعنا للذهاب نحو التاريخ اليمني لمعرفة حقيقة الوحدة التاريخية لليمن، خصوصاً بعد أن كثر اللغط بخصوص هذا الموضوع في الآونة الأخيرة. وتركيزنا هنا سينصب على الوحدة السياسية لأنها هي التي يثار حولها الخلاف، أما وحدة اليمن الحضارية فقد كانت حقيقة ماثلة للعيان عبر عصور تاريخها الطويل قبل الإسلام وبعده، حيث شهدت اليمن تجانساً وتكاملاً حضارياً في جميع المجالات الدينية والاقتصادية والثقافية واللغوية والاجتماعية حتى في الفترات التي كانت تتعدد فيها كياناتها السياسية. وسنتكئ في هذا المقال على بحث تاريخي بعنوان: الوحدة اليمنية في التاريخ هل كانت الأصل أم الاستثناء؟، تقدم به الكاتب إلى ندوة أقامتها جامعة إب في مايو2007م عن الوحدة اليمنية والألفية الثالثة.
الوحدة في العصر القديم
تعد أول وحدة يمنية سجلها لنا التاريخ هي الوحدة التي تمت على يد المُكَرِب السبئي كرب إيل وتر في أواخر القرن الثامن قبل الميلاد، أما الفترات السابقة لها فمازالت معلوماتنا قاصرة عنها، لعدم وصولنا للنقوش المسندية التي تتحدث عن تلك الفترات حتى الآن.
تجدر الإشارة أن الوحدة التي تمت في عهد ذلك المكرب لم تنته بموته، ولكنها استمرت في عصر خلفائه من مكاربة سبأ حتى منتصف القرن السادس قبل الميلاد، عندما انتقلت مرتبة الدولة الأولى في اليمن القديم من دولة سبأ إلى دولة قتبان، التي حمل ملوكها لقب مكرب، بينما عاد حكام دولة سبأ إلى حمل لقب الملك. ويرجح المؤرخون أن لقب مكرب كان يتلقب به ملك الدولة الأولى المهيمنة على الدول اليمنية القديمة المعاصرة لها، ولم يكن يُسمح لملوك بقية الدول بحمله معه إلا خلال فترات انتقالية محدودة من الصراع. وبعد أن ضعفت الدولة القتبانية في أواخر القرن الثاني قبل الميلاد انتقل لقب المكرب إلى دولة حضرموت.
وقد أدى توحيد دولة سبأ المبكر لليمن إلى أن ترتبط بها معظم الرموز التاريخية في اليمن القديم، فسبأ عند النسابة هو أبو حمير وكهلان؛ ومن هذين الفرعين تسلسلت أنساب أهل اليمن جميعاً، وهجرة أهل اليمن في الأمصار ارتبطت بسبأ، حتى قيل في الأمثال "تفرقوا أيدي سبأ"، والبلدة الطيبة التي ذكرت في القرآن الكريم هي أرض سبأ. وقد عمت شهرة سبأ آفاق العالم القديم، وباتت من أجله صفة سبئي تطلق على كل أهل اليمن القديم لدى الشعوب المعاصرة لها.
وعندما تنافس الحميريون مع سبأ ثم حلوا بدلاً عنها في أواخر القرن الثالث الميلادي نجد أنهم قد تلقبوا بقلب "ملك سبأ وذي ريدان" (ذي ريدان هم حمير). وبعد أن تمكن ملكهم شمر يهرعش من مد سلطته إلى دولة حضرموت القديمة أستطاع بذلك أن يوحد كل اليمن القديم تحت إمرته؛ من عُمان إلى الحجاز، وحمل اللقب الملكي الطويل " ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمانة" ليصبح بذلك أول التبابعة الحميريين؛ انطلاقاً من قول المصادر العربية بأن التبع هو الملك الحميري الذي تمتد سيطرته إلى حضرموت والشحر، والشحر تسمية أطلقت في العصورالإسلامية على جزء من ساحل اليمن الجنوبي الذي كان يسمى قبل الإسلام يمنت (يمانة)، وكان ذلك عندما امتدت تسمية يمانة لتشمل كل بلاد جنوب جزيرة العرب بصيغتها الحالية (اليمن)، مع استمرار النسبة إلى الصيغة القديمة بقولهم يمني ويماني.
وقد تمكن خلفاء شمر يهرعش من المحافظة على تلك الوحدة التي تمت في عهده حتى مطلع القرن السادس الميلادي حين بدأت الدولة الحميرية بالضعف نتيجة الصراع الديني الذي شهدته إثر امتداد الديانتين اليهودية والمسيحية إلى اليمن، وانتهى الأمر بسقوط الدولة الحميرية وحلول الأحباش حكاماً لليمن، حتى طردهم منها الثائر اليمني سيف بن ذي يزن بمساعدة الفرس، الذين سرعان ما دبروا مؤامرة لاغتياله وجعلوا من اليمن ولاية فارسية استمرت حتى ظهور الإسلام.
الوحدة في العصر الوسيط
كان هناك أحساس بالوحدة الاجتماعية لأهل اليمن عند ظهور الإسلام رغم التفتت الذي عانت منه اليمن قبيل ظهور الإسلام، وقد برز ذلك الإحساس بهذه الوحدة في عدة مواقف؛ فمثلاً عندما أتى أهل الأشاعر من تهامة إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) خاطبهم بقوله "أتاكم أهل اليمن ... " ولم يقل أتاكم أهل الأشاعر أو أهل تهامة، ولم نلاحظ مثل هذا الخطاب الموحد عند استقباله لأبناء مناطق الجزيرة العربية الأخرى حيث عاملهم كقبائل ممثلة لنفسها.
وبعد دخول الإسلام إلى اليمن وانضواء اليمن في الدولة الإسلامية الفتية نجد أن اليمن قد قسمت إلى عدة مخاليف تراوحت أعدادها بين الاثنين والأربعة، ومع ذلك ظل والي أحد هذه المخاليف هو صاحب الولاية العامة على كل اليمن، وكانت الولاية العامة في البداية في يد صاحب مخلاف الجند ثم انتقلت إلى يد صاحب مخلاف صنعاء، وبعد ذلك ألغي هذا التعدد وأصبحت اليمن كلها ولاية واحدة ولها وال واحد، وذلك خلال العصرين الأموي والعباسي الأول.
وقد تعامل المؤرخون والجغرافيون العرب مع اليمن بصفته إقليماً واحداً، حيث نجد أنهم عندما تحدثوا عن الأقسام الجغرافية للجزيرة العربية قاموا بتقسيم شمال الجزيرة العربية إلى أربعة أقسام على أساس التضاريس الطبيعية المكونة لها: فالجبال هي الحجاز، والهضاب نجد، والسواحل الغربية تهامة، والسواحل الشرقية البحرين. بينما عدوا اليمن قسماً واحداً، ولم يقسموه على أساس تكويناته التضاريسية رغم قولهم أنه يشمل السهل والجبل والهضبة. ويعود ذلك إلى الوحدة الحضارية التي تجمع أهله.
وعندما بدأت الدول المستقلة تظهر في اليمن خلال العصر العباسي الثاني نجد أن حكام الدولة الزيادية ومن بعدها حكام الدولة النجاحية قد أعطيت لهم الولاية العامة على اليمن بصفتهم ممثلين للخلافة العباسية، وكانت بقية الدول اليمنية المعاصرة لهم تعترف لهم بذلك وتقدم لهم الولاء رغم عدم شمولية دولهم لكل اليمن.
ثم بعد ذلك عرفت اليمن دول أخرى تمكنت من توحيدها كاملةً تحت سيطرتها، وتمثلت أولى هذه الدول بالدولة الصليحية التي أسسها على بن محمد الصليحي الموالية للخلافة الفاطمية في القاهرة، ثم الدولة الأيوبية التي مثلت امتداداً لدولة صلاح الدين الأيوبي في مصر وبلاد الشام، ومن بعدها جاءت الدولة الرسولية التي أسسها عمر بن محمد بن رسول وكانت موالية للخلافة العباسية في بغداد.
الوحدة في العصر الحديث
يبدأ هذا العصر بالسيطرة العثمانية على اليمن في النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي، حيث امتدت سيطرتهم لتشمل كل اليمن التي أصبحت ولاية في الدولة العثمانية. وبعد أن أصبحت اليمن أول ولاية عربية تستقل عن العثمانيين قامت فيها الدولة القاسمية التي تمكنت من فرض سيطرتها على كل اليمن خصوصاً في عهد الإمام المتوكل على الله إسماعيل.
وقد شهد القرن التاسع عشر عودة العثمانيون إلى اليمن للمرة الثانية، وسيطرتهم على المناطق الشمالية والغربية، وكذلك إحتلال الانجليز لعدن ثم توسعهم في بقية المناطق الجنوبية والشرقية، وتم في مطلع القرن العشرين رسم خط الحدود بين مناطق السيطرة العثمانية في شمال اليمن وغربه ومناطق السيطرة الانجليزية في جنوبه وشرقه ، وكان ذلك التقسيم أساساً للتشطير الحديث، حيث ورثت المملكة المتوكلية اليمنية ومن بعدها الجمهورية العربية اليمنية العثمانيين فيما صار يعرف بالشطر الشمالي، بينما ورث إتحاد سلطنات الجنوب العربي ومن بعده جمهورية اليمن الديمقراطية الانجليز فيما صار يعرف بالشطر الجنوبي لليمن قبل وحدة 1990م.
ورغم ذلك التقسيم فقد ظل المجتمع اليمني يشعر بوحدته وكيانه الواحد، حيث تبدى ذلك بوضوح في وحدة نضاله ضد الإمامة والاستعمار، فقد استخدمت حركة الأحرار المناضلة ضد الحكم الإمامي من عدن منطلقاً لها؛ بل واندمجت في حركة واحدة مع المناضلين الجنوبيين فيما عرف بالجمعية اليمانية الكبرى. وبعد قيام ثورة سبتمبر وإعلان الجمهورية في الشمال هب أبناء الجنوب إلى جانب إخوتهم الشماليين للدفاع عنها، بينما عمل الشماليون على دعم ثورة الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني، وأصبح الشمال قاعدة لانطلاق ثورة اكتوبر التحررية.
وبعد استقلال الجنوب وقيام نظامين متناقضين في الشمال والجنوب ظل الشعب واحداً بكل مكوناته، حيث كانت تتضح تلك الوحدة عندما يلتقي أبناء اليمن في خارج بلادهم ويتعاملون بصفتهم أبناء شعب واحد، وقد اتضح ذلك جلياً في الاتحادات الطلابية التي كونها الدارسون اليمنيون في الخارج. وتجدر الإشارة أن النظامين الشطريين الحاكمين في اليمن آنذاك لم يجرؤ أي منهما على اعتبار القادمين من الشطر الأخر على أنهم أجانب، لذلك وجدنا شخصيات جنوبية تتقلد أرفع المناصب في الحكومات الشمالية مثل عبدالله الأصنج ومحمد سالم باسندوة، ونفس الوضع أيضاً أحتلته شخصيات شمالية في الجنوب؛ كان أبرزها عبدالفتاح اسماعيل الذي تمكن من الوصول إلى قمة هرم السلطة في الجنوب.
ختاماً:
إننا ونحن نقدم هذه اللمحة التاريخية عن الوحدة التاريخية لليمن إنما نُذكر الشعب اليمني بماضيه الذي لم تكن فيه الوحدة إلا مصدر قوة وعزة، وإن كان ذلك لا يعني أننا نعتبر الوحدة غاية لذاتها، ولكنها وسيلة لتحقيق آمال الناس وطموحاتهم في التنمية والكرامة والنهوض، في ظل عدالة اجتماعية ومواطنة متساوية.. أما إن عجزت السلطات القائمة على دولة الوحدة عن تجسيد تلك المعاني فذلك يعني وجود اختلالات يصبح من الضرورة إصلاحها، انطلاقاً من المصلحة العامة لجموع الشعب، بعيداً عن المصالح الآنية والآنانية للجماعات والشخصيات؛ بغض النظر عن انتماءاتها.