بين اليمن وتركيا .. ماذا نحتاج لصناعة النهضة
بقلم/ موسى النمراني
نشر منذ: 17 سنة و أسبوعين و يومين
الأربعاء 31 أكتوبر-تشرين الأول 2007 08:16 ص

مأرب برس – اسطنبول - خاص

عندما وصلت إلى تركيا وخرجت من مطار استنبول كمولود جديد .. شعرت بالحزن كثيرا ..لقد استقبلتني اسطنبول بحدائق ورد جذابة بينما ودعتني صنعاء برائحة عفنة وشارع مكسر هما كل مالدى صنعاء لمراسيم الوادع والاستقبال.

بدأ الأتراك عملية تعمير بلدهم في ثمانينيات القرن الماضي وهاهم اليوم يكادون أن يلحقوا بأوربا التي بدأت نهضتها قبلهم بحقبة من الزمن .. وإن استمرت الوتيرة على ماهي عليه فسيأتي يوم تسبق فيه تركيا غيرها من دول أوربا بينما نحن في اليمن منشغلون بأعياد ثورتينا ووحدتنا واستقلالنا وعيد الفطر وعيد الأضحى كما ننشغل بقراءة الفاتحة على أرواح شهداء الثورات الفاشلة والصراعات السياسية الحقيرة –كما يراها أصحابها لاحقا- وبعد خمسة وأربعين عاما من عمر الثورة ليس لدينا مصنع واحد يمكننا أن نعتبره بداية حقيقية أو حتى مجازية لنهضة البلاد . فماذا بيننا وبين ترك يا من الفروق لنعرف مكامن الخلل.

لم تعرف البشرية جنسا أذكى من جنس أو تميزا لأهل جهة من الجهات بقدرة من نوع ما لا يمكن لأهل جهة أخرى الحصول عليها، فكل قدرات البشر متساوية والنتائج تأتي تبعا لنوعية المقدمات والفرق بيننا وبين الأتراك حاليا أنهم يتعاملون مع إمكاناتهم الذهنية بطريقة تؤدي منحى إيجابيا بينما نمارس نحن أنشطتنا ونستغل إمكاناتنا في تقديم وصنع المشكلات لبعضنا البعض. لنهضة تركيا الحديثة ارتباط مفصلي بشخصية رجب طيب أردوغان الذي يحفر اسمه الان في الوجدان التركي بشكل منقطع النظير فهو رجل عملي في كل موقع يتسلمه يقود فيه تغييرات جذرية ونحن نعرف أن لدينا في اليمن الكثير من أمثال أردوغان قدرة على العطاء وحبا للبلد وحرصا على المصلحة العامة.

فلماذا نجح أردوغان وفشل المئات من الخبرات اليمنية والكفاءات العلمية التي شغلت مناصب مهمة لفترات مؤقتة وانتهى بها الأمر إلى الموت سريعا أو الابعاد القسري كمنصب سفير مقيم أو صفة لاجئ سياسي؟ ..

استطاعت تركيا خلال سنوات تحقيق معدل نمو سنوي تجاوز 7%، مما جعلها من أكثر الدول جذبا للاستثمار. وتشير التقديرات إلى أن حجم الاستثمارات العربية بلغ نحو 30% من حجم الاستثمارات الإجمالية ولعل من المفيد الإشارة إلى أن تركيا تعتمد كليا على الضرائب كمصدر أساسي للدخل وأصبحت تركيا بلادا سياحية يتوجه إليها رؤوس الأموال للتجارة ويتوجه إليها السياح من شتى بلدان العالم حين يجدون فرصة لحياة سياحية آمنة.

لعل أهم مايميز التجربة التركية احترام الشعب التركي للتخصص والرغبة العامة في النهضة الجماعية، وكذا حرص الساسة على الصدق مع شعبهم، الأمر المنعدم تقريبا لدينا في اليمن فنحن لا نحترم التخصص وليس لدينا رغبة عامة في النهضة الجماعية بقدر ما نؤمن بالفردية في الخلاص، وكذلك لا أحد من ساستنا يحترمنا سواء في السلطة أو في المعارضة .. الكل يلعب على عواطفنا، وللتمثيل فقط يمكنني أن أذكر مثلين أولهما للسلطة والثاني للمعارضة.

أولا خطبة فخامة الأخ رئيس الجمهورية علي عبد الله صالح في جامعة عدن التي تحدث فيها عن مشروع محطة لإنتاج (عشرين ألف ميجا) من الطاقة الكهربائيه وسماها بالمفاجأة وهو يعرف أن كل ماهو مضاء من اليمن لا يتجاوز التسعمائة ميجا ويعرف كذلك أن مشروع محطة مأرب الذي يتوقع أن ينتج ثلاثمائة ميجا قد أصبح من أطول المشاريع المتعثرة عمرا في العالم لأسباب لاتخفى عليه ولا على المطلعين من ذوي الشأن.

ثانيا، ماقاله الدكتور عبد الرحمن بافضل أثناء تعليقه على طلب الحكومة للاعتماد الإضافي لهذا العام وهو يسأل عن الإعتماد الإضافي للعام الماضي ثم يلعب على عواطفنا (الوتر المفضل لعازفي السياسة في اليمن) ويقول أن الاعتماد الإضافي للعام السابق لو وزع على المحافظات لحصلت كل محافظة على (عشرين مليون دولار ) ولكانت هذه العشرين مليون دولار كافيه لتصنع نهضة نوازي بها (دول الخليج !!) وهو يدري أن الاعتماد لم يكن مخصصا بشكل كلي لعمليات بناء البنية التحتية في المحافظات – مع تأكيدي على أهمية ذلك – ويدري كذلك أن عشرين مليون دولار لكل محافظة لاتكفي حتى لترميم المدارس المهدمة والآيلة للسقوط !!

لن يكون مفيدا أن أقول أن تركيا تزيد من اجمالي الانتاج المحلي كل عام وأنها تمتلك منظومة صناعية خاصه بها تغطي احتياجاتها، ولن احتاج إلى أن أشير إلى أن تركيا كانت تعاني من مشكلات داخلية أكثر تعقيدا من مشكلات اليمن .. وأن المسألة كلها تعتمد على وجود إرادة حقيقية للبناء إن وجدت فلن يكون هناك أي تأثير للأدوار الخارجية التي تعمل على الإمساك بمفاصل الحياة في اليمن، ونرمي عليها فشلنا الذريع في إدارة شئون بلادنا.

إن التجربة التركية هي أقرب التجارب إلى الوضع اليمني وليست هي المثل الأعلى لعمليات النهوض الاقتصادي والتغيير الديمقراطي لكنها لاعتبارات كثيرة يمكننا أن نعتبرها أنموذجا قابلا للتصدير إلى اليمن بسبب ظروف اليمن الحالية التي تشابه ظروف تركيا ماقبل النهضة وإن وجدت التجربة التركية من يثريها بحثا ودراسة من الباحيثن اليمنيين بغية الاستفادة منها وتقديمها إلى صناع القرار فربما تتحول اليمن إلى بلاد جميلة (كما ينبغي أن تكون) مع المحافظة على نكهتها الخاصة .. ولعل التجربة التركية أو بالاصح النهضة التي تعتمد على المكونات المحلية للبلد أفضل من استيرادنا للثورة الايرانية وفي كل الأحوال لن تفيدنا دراستنا للتجربة التركية مالم تتكون لدينا القناعة الجماعية بأهمية صناعة النهضة كوسيلة وحيدة للبقاء.