حتى لا يعيش السلفي حياته داخل النص
بقلم/ محمد العبسي
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و يومين
الثلاثاء 17 مايو 2011 04:39 م

يقوم مفهوم "طاعة ولي الأمر" على حساب المواطنة المتساوية، وتقوم البيعة على حساب الشورى والتعددية. وعلى مر التاريخ الإسلامي كان الفكر السلفي غطاء شرعياً للاستبداد السياسي واستئثار فرد أو أسرة أو سلالة بالسلطة والثروة كما ولتصفية الخصوم السياسيين تحت مبرر "شق عصا الجماعة" و"الفتنة" وو.

أريد مخاطبة السلفيين بلغتهم وبكل ود وحب. يعجبني إخلاصهم وتفانيهم. تراهم يصلون بنعالهم حرصا على الاقتداء بالنبي الكريم. حسناً. في زمن الصحابة لم تكن دورات المياه في البيوت فلماذا لا يخرج السلفيون اليوم إلى الخلاء لقضاء الحاجة اقتداء بالرعيل الأول؟ سيقول قائل: لقد تغير الزمن. وهذه هي أهم نقطة. كل شيء في الكون محكوم بالزمن: النص وفهمه، والكون وتفسيره.

الحياة جديرة بأن تعاش بذاتها وأن تكتشف كل يوم. مشكلة كثير من الإخوة السلفيين، ومن يعادلهم لدى الشيعة، أنهم يعيشون داخل النص وكأن الحياة خلقت من أجل نص وليس العكس: النص لفهم الحياة ولمساعدة الناس على تحسين حياتهم.

تربطني صداقات طيبة ببعض السلفيين. هم صادقون ومخلصون. يخطر في بالي الآن شاب لطيف اسمه احمد. لا يمر عليه يوم دون سواك. يطيل لحيته، ولا يرتدي إلا أثواباً قصيرة فيبدو غريباً كشخص من غير هذا الزمن؟ هو يعرف جيدا أنه غريب فيمن حوله ويعرف مغزى نظرات الناس له في الشارع. لطالما تساءلت لماذا يلزم هذا الشاب يعيش حياة غريب. مشكلة هذا الشاب، وغيره الكثيرون، أنه كيّف حياته وفصلها على نص ديني مسبق في ذهنه وليس العكس. لقد تعلق قلب هذا الشاب بالحديث الشريف "جاء الإسلام غريبا وسينتهي غريباً" إنه يمارس الغربة في حياته كلها لاستحوذ هذا النص على كل تفكيره متجاهلا المئات من المأثورات الإسلامية الحاثة على الحياة.

مفتي الديار السعودية الشيح "ابن باز"، كمثال آخر، لم يتقبل كروية الأرض. وله، ضمن مجموع فتاواه، فتوى تكفر من قال بكروية الأرض وعليه أن "يستتاب لثلاثة أيام". تراجع ابن باز عن ذلك بعد حوارات طويلة مع الشيخ عبدالمجيد الزنداني. لكن كثيرا من التيار السلفي، شيوخاً وطلاباً، على قناعتهم الأولى بحرمة القول بكروية الأرض. ولسائل أن يسأل: ما الذي يجعل شخصاً في الألفية الثالثة يرفض كروية الأرض في زمن الطائرة والمكوك والميكرسكوب؟ إنه نص. حديث "مكة تحت العرش". والأمثلة كثيرة.

يوجد أكثر من وجه للشبه بين محنتين غيرتا التاريخ: في بغداد العباسية حبس احمد بن حنبل، وفي روما الكاثوليكية حبس جاليليو جاليلي. فرض المعتصم، الحاكم السياسي، على ابن حنبل إقامة جبرية في منزله، وفرض بابا الفاتيكان، الحاكم الديني، على جاليليو إقامة جبرية في منزله لأكثر من ثلاثين عاماً. قاوم ابن حنبل اضطهاد الدولة (بغض النظر عن الفحوى) وقاوم جاليليو اضطهاد الكنيسة ومصادرتها للحقيقة. واضطهاد يصنع أبطالا. نتيجة ذلك تزايد التعاطف الشعبي مع ابن حنبل وجاليليو ومع الزمن صارت الأقلية المضطهدة أقوى وبدأ كل منهما في الانتقام من ماضيه. ودارت العجلة.

لعلة أن أكثر سؤال أثير في التاريخ الإسلامي كان سؤالاً عقائدياً هو: هل القرآن مخلوق أم أنه كلام الله؟ هل ترى الله يوم القيامة.. إلخ أسئلة التجسيم والصفات؟ بينما في الغرب كان سؤال الأسئلة في المسيحية سؤالاً فلكياً فيزيائياً –وهنا الفرق- في مقدور التلسكوب أو الميكروسكوب الإجابة عليه هو: هل الأرض كروية؟ وهل تدور الأرض

حول الشمس أم العكس؟ السؤال الفلكي كان سبباً مباشراً في ثورة العلوم الطبيعية والنهضة الحديثة للغرب. بينما كان السؤال العقائدي سبباً مباشراً في وأد العلوم الطبيعية وذم الفلسفة ونشوء وتعاظم قوة التيار الحنبلي.

حزب سلفي.. بادرة خير

أنا مرتاح من الأنباء القادمة من تعز. أمس الأول أعلن جناح سلفي عن تأسيس حزب سياسي. هذا حدث هام. ينبغي تشجيع السلفيين ومساعدتهم على الالتحاق بالحياة المدنية. إن قبول السلفي بالتعددية الحزبية والتنافسية القائمة على الانتخابات الديمقراطية، من حيث المبدأ، مؤشر على تحول جذري في العقل السلفي. وعشمي أن ترحب مختلف القوى السياسية لصدورها عن تيار ديني ينادي "بطاعة ولي الأمر ولو جلد ظهرك وسلب مالك". إن لم يكن لخير يرجى منهم فلدرء ضر مصدره الجارة السعودية. إن دمج السلفيين بالعملية السياسية سيثير أسئلة عميقة هناك في السعودية: البلد المصدّر.