وزارة الإعدام ومحاكم التطفيش
بقلم/ طارق عثمان
نشر منذ: 15 سنة و 5 أشهر و 7 أيام
الإثنين 08 يونيو-حزيران 2009 05:02 م

قطع اللسان كان جزاءًً ( لجيوردانو برينو) ، ثم أحرق ..

لا لشيء غير أنه اعتنق نظرية ( كوبرنيكوس ) حول دوران الأرض وأما ( كوبرنيكوس ) نفسه فقد فضل أن يأخذه القدر قبل أن تأخذه الكنيسة فلم ينشر نظريته سوى يوم وفاته ، واستدرك ( جاليليو ) وقََبِل أن يعترف بخطأ أفكاره الرافضة لكون الأرض مركز الكون.

الفيلسوف ( ميشيل سرفيه ) كان طعاما للنيران لأنه شكك في عقيدة التثليث ، أما كسر الصليب فقد أودى بلسان يافع ، ويده ، ثم جسده كله ..

والقصص التي تتناول هذه الحقبة لا يتسع لها المجلدات ، لكن يبدو أن القائمين على وزارة الإعلام قد اطلعوا عليها جيدا , ولكن ليس بالطبع من وجهة نظر محايدة ولا من وجهة نظر الضحايا بالتأكيد ، ولكن من وجهة نظر الراهب (( بليدا )) ...

ولذا فقد وضع الخارجون من القرون الوسطى من أركان وزارة الإعلام مقدساتهم وعقائدهم الإعلامية الخاصة ، والتي اعتبروا الخروج عنها تجديفا وطعنا في الدين يستحق مرتكبوها أن تنزل بحقهم أقصى العقوبات ... فالقصر الجمهوري هو مركز الكون ، واليمن كلها هي من يجب أن تدور حول هذا القصر ،

وعقيدة التوريث هي العقيدة الحقة التي لا يحيد عنها إلا ضال هالك ..

ورجال الدولة والمتنفذون فيها هم رهبان لا يجوز مخالفتهم ولا انتقادهم ولا المساس بهم ..

ورؤية السلطة ، وسياساتها ، وممارساتها هي طقوس دينية توقيفية لا يجوز نقاشها ، ولا التعرض لها، ولا الاعتراض عليها أو الإعراض عنها بل يجب التسليم ،والقبول ، والرضي بها بقلوب مؤمنة مطمئنة..

وفي سبيل أن تستقر أفكار القروسطيين الذين لم يصلهم بعد ما عليه السلطة الرابعة في بلاد الدنيا من حرية وهامش ديمقراطي تمكنها من أداء دورها الرقابي والتوجيهي والتصحيحي بما يخدم المجتمع وما لها من هامش يمكنها من التعبير عن جميع مكونات الشعب وقواه المختلفة .

فقد بذلوا جهودا كبيرة لترسيخ أفكارهم البالية وجعلها دينا لا يقبل المساومة ،

فمن تبني سياسات إعلامية قائمة على استنساخ الصحف ، والقنوات الفضائية ومحاولة الحيلولة دون ظهور قنوات معارضة ومنع التصريح بإصدار صحف جديدة تخالف هذا النهج ،

إلى تبني وثيقة وزراء الإعلام العرب السيئة الصيت ،

ومن ثم الانتقال بمنحنى تصعيدي نحو التضييق على الصحفيين وقذف الصحفيات وإيداع البعض السجن والاعتداء عليهم إلى مصادرة الصحف ومنع طباعتها وصدورها إلى التهجم على مقرات الصحف وحجب المواقع الإخبارية والقرصنة عليها كل هذا لتصنع أسوارا فكرية تحمي من خلالها مقدساتها السابقة التي ما أنزل الله بها من سلطان..

وللأمانة فإن المتضررين ليسو فقط ممن ينتمون إلى المعارضة بل إن قطاعا كبيرا من إعلاميي الحزب الحاكم نالهم قسطٌ مما ورد ذكره سابقا ..

وكل ذلك بفعل دعاة الكثلكة في الوزارة الذين ينظرون إلى أولئك الذين ينتمون للحزب الحاكم ممن يُغََلبون المهنية والموضوعية في عملهم الصحفي كما لو كانوا مصلحين بروتستانت يجب أن يعاملوا كهراطقة .

فالصحفي الجيد في نظرهم هو الذي \\\"يدع ما لقيصر لقيصر وما لله ليقصر أيضا \\\"

وهو الذي إذا ضرب من أحد متنفذي السلطة على خده الأيمن قدم له خده الأيسر وقفاه كمان ..

ومع كل الحملات التي طالت الصحافة والصحفيين التي شنتها وزارة الإعدام فإنها تريد تقنين ذلك بتجريم كل ما يخالف رؤيتها وسياستها وهذا يظهر من خلال التصريحات القديمة للوزير والتي أشار فيها إلى

إن المواقع الإلكترونية ستكون خاضعة لسلطة القضاء بموجب قانون العقوبات قبل قانون الصحافة والمطبوعات لارتكابهم ما يصل إلى الجناية والجنحة ..

ويتضح أيضا من خلال إنشاء محكمة خاصة بالصحافة ، والتي ستكون بمثابة محكمة تفتيش أو على الأقل تطفيش العاملين في \\\" مهنة المتاعب \\\" فإما أن يتحولوا إلى مناصرين لنهج الوزارة يرددون ترانيمها وأدعيتها وصلواتها في محراب قيصر وإلا فإن الإعدام ينتظر صحفهم ومواقعهم وربما لاحقا أجسادهم بعد ممارسة محكمة التطفيش مهامها.