أزمة الريال بين السلطة والمعارضة
بقلم/ دكتور/محمد الصبري
نشر منذ: 14 سنة و 7 أشهر و 8 أيام
الثلاثاء 06 إبريل-نيسان 2010 05:12 م

من المتعارف عليه مالياً بأن للأزمات المالية أربعة أبعاد: بُعد أزمة أسعار الصرف كما حصل في المكسيك والبرازيل في أوائل التسعينيات وفي جنوب شرق آسيا (كوريا وماليزيا...) في عام 1997، وبُعد أسعار الأسهم والسندات كما حصل لأسعار أسهم الانترنت والكمبيوتر في أمريكا وفرنسا في عام 2000 ولأسهم العقارات في عام 2008، وبُعد أزمة انهيار المصارف كما حصل في سبتمبر 2008 في أمريكا بشكل خاص والعالم بشكل عام، وبُعد أزمة الديون كما حصل في اليونان في شهر فبراير 2010.

من هذا المقدمة يتضح بأن اليمن تمر الآن بأزمة سعر صرف كونها لا تمتلك سوقا للأسهم، ولا تمتلك جهازا مصرفيا نشيطا في مجال التمويل التنموي وإنما في التمويل التجاري، أما بُعد أزمة الديون في اليمن فهي ما زالت في مستويات الحدود الآمنة وفوائدها ما زالت تحت السيطرة سواءً للديون الخارجية أو الداخلية. علاوةً على ذلك فإن سعر صرف الريال لم يتقلب بعد بشكل حاد يؤدي إلى إنهيار الجهاز المصرفي كون النقد المتداول، ما زال يشكل نسبة كبيرة تصل إلى 30% من إجمالي العرض النقدي أي أن الاقتصاد اليمني ما زال اقتصادا نقديا.

إن قضية تقلبات أسعار الصرف في اليمن ناجمة في الأساس من محدودية تدفقات النقد الأجنبي، فضلاً عن مستويات تقلباتها وتراجعها مما يجعل الاقتصاد اليمني في حال تراجعها عاجزاً عن توفير نقد أجنبي كافي لمواجهة فاتورة الاستيراد المتنامية بسبب تزايد الطلب المحلي وتزايد وتقلب الأسعار العالمية. كما إن محدودية وتقلبات النقد الأجنبي يعود في الأساس إلى طبيعة موارد النقد الأجنبي لليمن والمنحصرة في عوائد النفط، وعوائد المغتربين، وعوائد الاستثمار الأجنبي المباشر أما بقية العوائد من الاستثمارات الخارجية والخدمات فهي محدودة جداً: فعوائد النفط تتقلب بتقلب أسعار المشتقات النفطية العالمية وتتقلص بتقلص الإنتاج وزيادة الاستهلاك المحلي، وبالتالي تتأثر أسعار الصرف مباشرة ولولا تدخلات البنك المركزي المستمرة من عام 2000 لكان وضع الريال غير وضعه الحالي.

وكذلك بالنسبة لعوائد المغتربين اللهم أنها أكثر ثباتاً لكنها أيضا ما زالت خاضعة لظروف الدول المستضيفة، أما عوائد الاستثمار الأجنبي المباشر فهي إما أن تكون سالبة عند إستعادة التكلفة أو موجبة عند تأسيس الاستثمارات الأجنبية كما حصل خلال الفترة 2006-2008 عندما كان الميزان المالي موجب نتيجة إستثمارات شركات الغاز بحوالي 5$ مليار دولار، إلا إن هذه العوائد هي عبارة عن عوائد عينية على شكل معدات.

  

في المقابل يعتمد الاقتصاد اليمني بشكل كبير على الأسواق العالمية لتوفير احتياجاته الغذائية وغير الغذائية، الضرورية وغير الضرورية "الكمالية" بمعدل يصل إلى 90% من إحتياجات البلد بمعنى إننا نأكل مما لا نزرع ونلبس مما لا نصنع ما عدا تخزين القات فهو من خيرات أراضينا ومياهنا.

إن هذا التفاوت الكبير بين احتياجات السوق المحلية من السلع المستوردة الغذائية وغير الغذائية ومحدودية تدفق النقد الأجنبي يجعل سعر الصرف ذا مرونة عالية فأصغر أي شائعة تنتشر عبر مقايل القات تفقد المستثمرين الثقة في استثمارات أذون الخزانة أو في إيداعات شبه النقود في البنوك المحلية بعملة الريال حيث يضطر من خلالها المستثمرون تحويل مدخراتهم بالريال إلى العملات الأجنبية، ونظراً لمحدودية البدائل الاستثمارية لا يجد المستثمرون والمدخرون سوى ثلاثة خيارات لا رابع لها، إما إستثمارها في العقارات والأراضي، أو إكتنازها في البيوت، أو نقلها إلى الخارج، خاصة وأن اليمن من أوائل الدول التي أقدمت على تحرير السوق والسماح بنقل رأس المال الأجنبي ذهاباً وإياباً.

لقد أحسن الأخ محافظ البنك المركزي عندما استعرض أثر فاتورة الاستيراد على طلب النقد الأجنبي تذمراً ومشتكياً من تمدد فاتورة الاستيراد لتصل إلى مستوى استيراد الحلبة والجنابي والتي للأسف قابلها الأخوة أعضاء مجلس النواب بالتنكيت والسخرية، لكن هذا لا يعفي المحافظ ولا الحكومة ولا المجلس التشريعي أي النواب ذوو الأغلبية المريحة من تحمل مسئولياتهم جميعاً في الوصول بالبلد إلى مستوى استيراد مثل هذه السلع وعدم تشجيع وحماية الزراعة والصناعة المحلية.

مشكلة أزمة سعر الصرف اليوم ما هي إلا نتيجة من سوء الإدارة الإقتصادية المتناثرة وغير المتكاملة التي لا تتحمل وزرها حكومة الدكتور مجور وإنما هي متراكمة عبر العقود الأربعة الماضية، حيث لو كانت هناك رؤية وإدارة إقتصادية متكاملة تتبناها الحكومات المتعاقبة، لتنبهت منذ البداية - على سبيل المثال وليس الحصر - بأن التمدد في زراعة القات أفقيا ورأسياً سوف يؤثر على النقد الأجنبي لأن زيادة زراعة القات معناه إقتصادياً إستنزاف موردي الأرض والمياه لصالح زيادة استيراد مشتقات الحبوب والتي تتطلب نقدا أجنبيا، وكذلك بالنسبة لدعم المشتقات النفطية والذي يستورد 70% منه لصالح التهريب والاستهلاك الجائر، وبالمثل بالنسبة لباقي السلع الكمالية، حتى أن التكامل بين الاقتصاد والممارسات السياسية له علاقة بالنقد الأجنبي كون المناكفات والمكايدات السياسية غير العادلة تؤثر على النقد الأجنبي من خلال تأثيرها على سمعة البلد إستثمارياً وتضر بمداخيل المغتربين.

مما سبق نستطيع أن نقول بأن اليمن معرضة لأزمة اقتصادية خانقة ذات أبعاد متعددة سيكون أثرها على المستوى القريب زيادة مساحة الفقر حيث لو عجز البنك المركزي في ظل تدهور الاحتياطيات النقدية في الحد من تدهور أسعار الصرف ستتضخم الأسعار لا محالة وبالتالي ستتدنى القوة الشرائية لمداخيل المواطنين والتي لا مفر منها ستزيد من مساحة الفقر، وكذلك لو عجز البنك المركزي في التنسيق مع الحكومة في الحد من البطالة سوف يؤدي بالضرورة إلى زيادة مساحة الفقر.

أمام هذا السيناريو التشاؤمي، في تقديري بأن الإجراءات النقدية والمالية التي اتخذتها الحكومة مؤخراً سيكون لها أثر إيجابي على مستوى أسعار الصرف فيما لو كانت الحكومة حريصة ومتضافرة بدعم المعارضة والقطاع الخاص فرفد السوق بـ 829$ مليون دولار منذ بداية العام ورفع سعر الفائدة على الريال من 15% إلى 20% وكذلك وضع رسوم قد تكون جمركية لـ 71 سلعة إستهلاكية، هذه الإجراءات ستحد من تهاوي الريال أمام الدولار فقط لا غير وستحافظ عليه عند حدود 225-250 لكنها لن تحل المشكلة ما دامت واليمن معتمدة على الأسواق العالمية لتلبية إحتياجاته من المواد الغذائية وغير الغذائية لهذا يتطلب الأمر من المعارضة والقطاع الخاص:

 (1) دعم الإجراء الحكومي الأخير في خفض فاتورة الاستيراد للسلع الكمالية بشكل كبير من خلال ترشيد الاستهلاك الحكومي والخاص فضلاً عن إلغاء دعم المشتقات النفطية مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار والذي سيؤدي إلى ترشيد الاستهلاك والقضاء على حافز التهريب.

 (2) الدخول في حوار مع دول الجوار في كيفية إيجاد إحتياطيات نقدية للبنك المركزي لمواجهة أي عملية تحويل سريعة للودائع والمدخرات إلى الخارج وإلى الدولار وممكن أن تطلب الحكومة من دول الجوار رفد البنك المركزي بالعملات كما حصل في الأردن ولبنان ومصر في فترات متفاوتة.

 (3) حماية وتشجيع المنتجات المحلية (زراعيا وصناعياً) ذات القدرة التنافسية حتى نحد من الاستيراد وخلق فرص عمل لامتصاص جزء من البطالة في الريف.

أما في الجانب السياسي ففي ظل هذا السيناريو التشاؤمي على السلطة والمعارضة تحمل مسئولياتهم الوطنية في حماية الاقتصاد من الانهيار، فالمصلحة العامة تقتضي التضحية بالمصالح السياسية والمنافع الاقتصادية الشخصية لصالح إستقرار البلد اقتصاديا وسياسيا، حيث على المعارضة أن لا تتشفى في فشل الحكومة في إيجاد مصادر دخل أجنبي مستدام وان لا تسعى جاهدة نحو تعميق الفشل بل يجب أن تتحالف مع القطاع الخاص في مساعدة الحكومة في حل الإشكاليات، كما أن على السلطة أن تكون واقعية وتعترف بالإخفاقات التي حصلت سياسيا واقتصادياً وتدخل في حوار جاد مع المعارضة يؤدي إلى توحيد الجبهة الداخلية وإحلال السلام السياسي حتى تطمئن المستثمرين الإقليميين والدوليين وتفتح أبواب الهجرة للعمالة اليمنية.

على المعارضة أن لا تعارض من اجل المعارضة وأن تقول كلمة الحق وتنصف الحكومة عندما تتخذ إجراءات سليمة مثل منع المضاربة بأسعار الصرف وإدارة ومراقبة أسباب البيع والشراء، وتخفيض الإنفاق العام على شراء الكماليات للحكومة ومنع السفريات الغير ضرورية، ومساعدة الحكومة في زيادة تحصيل الضرائب والجمارك والحد من التهرب والتهريب الضريبي والجمركي، بل ومساعدة الحكومة في محاسبة المتسببين في الفساد المالي والإداري، والوقوف مع الحكومة نحو تنفيذ مخرجات مؤتمر لندن الأخير ومؤتمر الأصدقاء في مساعدة الحكومة في استكمال إجراءات الإصلاحات المالية والإدارية حيث ومجتمع المانحين يسعون جاهدين نحو مساعدة اليمن لمساعدة نفسه، والله وخدمة الوطن من وراء القصد.

* أمين عام رئاسة الوزراء سابقاً

* نقلا عن الناس