|
مأرب برس ـ خاص
"صعطة" و"صعدة" قراءتان قبل الحرب وبعد الحرب ، هي "صعدة" وينطق بعض اليمانيين الدال طاءاً ، فيقول "صعطه" ، بإدغام الدال في الطاء إدغاماً غير متجانس ، كعدم تجانس بعض فئات الحوثيين من هذه المحافظة مع النظام اليمني منذ قديم الزمن ، وإلى يومنا .
وبلا ريب ولا شك أنّ مجموع العلماء يمثلون سلطة لا يستهان بها في البلد ، لأنهم يؤخذ عنهم الحلال والحرام ، ولأنّ لهم دورهم التاريخي الكبير في الأمة ، فهم يؤلفون المفترق ، ويجمعون الشتات ، والعلماء – في الجملة- هم الطائفة الوحيدة التي هي محل رضى وقبول واحترام كل شرائح المجتمع وفئاته ، عبر تاريخنا الإسلامي عموماً ، واليمني خصوصاً .
بيد أن فشل العلماء في احتواء أو معالجة فتنة صعدة ، ي
ضعنا أمام تساؤلات تاريخية ، وشرعية وسياسية كبيرة ، عن أسباب ومسببات هذا الفشل ، ومن المسئول عن إضعاف دور العلماء في الأمة ؟ ، وعن تسليم راية القيادة الفكرية إلى غيرهم؟
نشير في هذا المقام إلى بعض النقاط فيما يأتي:
1) في تقديري أسهمت السلطة السياسية بشكل كبير في ضعضعة وإضعاف دور العلماء ، وتهميش أدائهم ورسالتهم ، على كل الصعد الإعلامية والفكرية والتعليمية والتربوية ، وأزيح بعضهم حتى عن إمامة بعض المساجد ، وإقامة الدروس العلمية والفقهية والمحاضرات العامة ، في بعض المناطق ، بشكل أو بآخر ، ليس فقط العلماء الذين لديهم انتماءات حزبية ، بل حتى العلماء الذين في وسط المؤتمر الشعبي العام الحاكم ، فالحقيقة ترقى لأن تكون ظاهرة عامة تمارسها السلطة منذ أكثر من ثلاثين عاماً ، ولنتساءل عن عدد من العلماء الأفذاذ الذين تزخر بهم الساحة اليمنية من أمثال العلامة محمد بن إسماعيل العمراني ، وتلميذه العلامة الشيخ الدكتور/ عبد الوهاب بن لطف الديلمي ، والعلامة عبد الملك الوزير ، والعلامة عبد الله الحميدي ، والعلامة هلال عباس الكبودي ، والعلامة محمد بن علي عجلان ، والعلامة المحدث والفقيه عبد الله الحاشدي ، والعلامة ياسين عبد العزيز القباطي ، وأعداد كبيرة جداً ممن تزخر بهم ساحة البلد ، لقد بلغوا جميعا سن التقاعد دون أن تستفيد البلد من علومهم الشرعية وخبراتهم ، وكان يفترض أن نجد لهم دورهم في سلك القضاء والتربية والجامعات ، والمحاكم الشرعية ، ووسائل الإعلام والتوجيه المختلفة ، وينالون حقهم الواجب من التوقير والتبجيل ، على اعتبار أن العلماء ورثة الأنبياء ، لولا أن السلطة لا تعرفهم ، إلا في أوقات الشدائد والمحن والفتن التي تصنعها هي بيدها ، ثم حين تتقطع بها السبل في المعالجة ، تلجأ إلى هؤلاء العلماء مستنجدة مستغيثة لإنقاذها من محنتها وأزمتها ، بفتوى تمثل لها الغطاء الديني والشرعي ، لكن بعد ماذا؟! .
لقد رأينا السلطة دوماً تدير ظهر المجن للعلماء إلا اللهم في أوقات الحاجة إليهم ، ثم ليتها تنقل رؤيتهم بمصداقية وشفافية وبصورة كاملة وعادلة ، بل تنقل جزءاً من رأيهم بما يتوافق مع رأي الحاكم وهواه الفاسد ، في السيطرة والديكتاتورية والاستبداد ، كما وقع في الاستفتاء على الدستور إبان التوقيع على الوحدة المباركة ، أو حرب الانفصال أو الجرعات السعرية أو الانتخابات أو حرب صعدة ، أو غيرها من الكوارث والملمات التي تصنعها السلطة ، ثم تلقي بها على ظهور العلماء .
لقد كان الأئمة في عهد الإمام أحمد ويحي مع ما لديهم من ظلم وجور لا ينكره أحد ، إلا أنهم ولّوا العلماء كثيراً من ميادين الحياة كالقضاء والتعليم والتربية والإستشارات والدوواين ، ومما يحكى عن الإمام العلامة محمد بن علي الشوكاني العالم الذي ذاع صيته في المشارق والمغارب أن الإمام جاء يطلب من الشوكاني تولي القضاء ، فأبى ، ثم أبى ، وبعد أن ألحّ عليه الإمام ، قال له الشوكاني ، يا أمير المؤمنين بشرط ، قال وما هو؟ قال أن تمكني من القضاء حتى على من فوق هذا الكرسي ، قال لك ذلك ، فحينها تولى الشوكاني منصب القضاء والحكم وفصل الخصومات .
إننا نريد العالم الذي يحمل شجاعة وتقى وورع الإمام الشوكاني ، الذي لا يحابي في الشرع أحداً ، حاكما كان أو محكوما ً، ونريد الحاكم العادل الذي يولي القضاء هذا النوع من العلماء ، الذين يحرصون على تحقيق العدالة والمساواة ، بين كل أفراد المجتمع ،صغيرهم وكبيرهم ، ليعم الأمن والسلام ، أما أن يعيّن الحاكم من يغض الطرف عن مشكلاته ومآسيه وظلمه واستبداده ، ولعقود من الزمن ، وهو هو رئيس المحكمة العليا ، إلى أن يعزله عزرائيل من منصبه ، فهذا هو عين الظلم والجور الذي ما بعده ظلم ولا جور .
2) من أسباب فشل العلماء في وساطة حرب صعدة ، أنّ العلماء الذين تم اختيارهم ليسوا علماء محايدين بل هم أطراف في المشكلة ، وتحركوا من صنعاء وفق إملاءات محددة من طرف السلطة ، لا وفق إراداتهم وقناعاتهم الذاتية ، نعم نقرّ أنهم أهل علم وتجرد إن شاء الله ، لكن هكذا يقول الخصم ، ولعلّ هذه الوساطة ليس الغرض منها الصلح والمصالحة ، بل ربما الغرض منها إضفاء الشرعية للعمليات الإسئصالية والحسم السريع.
3) ثمة عناداً قويا من طرف الحوثيين واستعصاءاً واستقواءاً فرضته المعركة الشرسة التي يخوضونها من فترة ليست بالقصيرة ، ولعل المصالحة هذه هكذا دونما تحقيق مكاسب تذكر، فيها إهدار لجهود لهم وتضحيات كبيرة ، كما يرون ، فالمسافات كما يراها الحوثيون مسافات ضوئية بين التضحيات والمكتسبات التي تحملها لجنة المصالحة .
4) كما أنّ الحوثيين في تقديري السبب الغالب في فتنتهم وتمردهم وخروجهم على ولي الأمر ، ليس له دوافع عقدية كبيرة وإن كان هو أحد العوامل ، غير أن العامل الأكبر في الفتنة هو الظلم اللاحق بهم من عقود مضت ، واستبعاد منطقتهم عن كل مشاريع التنمية والخدمات ، فوجد الحوثيون في عقائدهم الفاسدة ملاذاً يلوذون به لمقاومة السلطة الجائرة ، التي حرمتهم من التعليم الذي يريدون والمشاريع الخدمية التي طال انتظارهم لها طويلاً ، وبالتالي فالواجب أن تكون المعالجة ذات شقين ، الأول تنموي ، والآخر عقائدي وفكري ، فيما لجنة المصالحة لم تحمل فيما يبدوا في جعبتها شيئاً كبيراً من هذا ، أو ذاك ، وإن كانت السلطة شعرت بهذا التقصير مؤخراً ، لكن بعد فوات الأوان ، ويبقى الجزء الآخر من المعالجة وهو الجانب الفكري والعقائدي ، فبناء جامعة لهم مثلا فيه حيف كبير ، وإن كان حتى لحظة كتابة هذه الدراسة لم يتأكد لي موافقة أو عدم موافقة الجانب الحكومي على هذا المطلب ، لكن محافظة كمحافظة الحديدة أو إب والتي يقطنها أكثر من مليون نسمه ، ليس فيها سوى جامعة أو قل كليات صغيرة ومتواضعة جدا ، كذا بعض المديريات الكبيرة التي يقطنها مئات الآلاف لعله من الخيال العلمي أن تطالب بكلية ، فضلاً عن جامعة ، وبالتالي فبناء كلية للحوثيين أو جامعة كما يطلبون فيه تجريء وتحريض معنوي لباقي المحافظات ، لتتحول إلى حوثيات ، ويُخشى أن يعتنق اليمانيون جميعاً المذهب الحوثي ، ليس حباً فيه بل لتحقيق مكاسب إنمائية في محافظاتهم ومديرياتهم ، إن استجيب لمطالب الحوثيين .
وقل هذا في بعض مطالب الحوثيين الأخرى ، وبالتالي فهي أزمة كبيرة جدا تقف أمام المصالحة ، الأمر الذي عجزت معه لجنة المصالحة من تحقيق هدفها ، والسبب هو أزمة النظام الذي لا يفرض فقط ظلماً على محافظة صعدة بل على كل المحافظات اليمنية ، بحرمانها من أبسط الحياة العصرية ، وبدهيات القرن الحادي والعشرين ، ولست أرى إشكالاً في بناء كلية للحوثيين أو غيرهم ، إذا كان هذا هو النسق العام وفق تخطيط الدولة ، ومعيارية عدد السكان ، لكن أن يُخَص هؤلاء المتمردون بمزايا اقتصادية أو تعليمية أو سياسية أكثر من باقي محافظات البلد ، لا شك أنه كارثة كبرى على النظام والقانون والدستور الذي ينص على أن المواطنين جميعا متساوون في الحقوق والواجبات .
5) لعل أيضاً من الأسباب ، أن لجنة المصالحة لم تأخذ وقتها الكافي لإنجاز هذه المهمة ، وبإشراف أطراف محايدة ، فالحرب لم تتوقف إلا نحوا من ساعتين ، أو تزيد قليلا ، كما تذكر بعض المصادر .
6) لا يختلف اثنان أن من أسباب رفض المصالحة أيضاً ما يحمله الحوثيون من عقائد فاسدة ، منافية لمبدأ التسليم لأمر الله ورسوله ، فحالهم كما أخبر الله عن أمثالهم إذ قال عز وجل: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ ، وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } النور48، 49 . ولو سلّم الحوثيون لأمر الله ورسوله لكان خيرا لهم وأشد تسليماً ، فيما يظهر .
يبقى أخيرا القول بأن المصالحة والحوار كما قال فخامة الأخ الرئيس هي الحل الأوحد لأي خلاف أو صراع ، لكن يبدوا أن هذه النتيجة لن يصل إليها الطرفان إلا بعد تضحيات جسيمة ، وإمكانيات ضخمة وهائلة ، واستنفاد لما بقي من رمق في هذا البلد المنكوب ، في ظل محرقة الحرب والأسعار ، وفي ظل غياب دور العلماء والحكماء ، وغياب أنظمة العدالة والحرية والمواطنة المتساوية ، وعدالة توزيع الثروة والمال بوجه أخص .
والله تعالى من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل ،،،
في الأربعاء 30 مايو 2007 07:53:51 م