صواريخ تضرب تل أبيب في مدارس الحوثيين.. التعليم يتحول إلى أداة لترسيخ الولاء بالقوة الأمم المتحدة تتحدث عن توقف وصول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة فيتو روسي صادم في الأمم المتحدة يشعل غضب الغرب الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين المحكمة الجزائية في عدن تصدر حكمها النهائي في المتهمين بتفجارات القائد جواس شهادات مروعة لمعتقلين أفرجت عنهم المليشيات أخيراً وزارة الرياضة التابعة للحوثيين تهدد الأندية.. واتهامات بالتنسيق لتجميد الكرة اليمنية أحمد عايض: ناطقا رسميا باسم مؤتمر مأرب الجامع
نظام الرئيس صالح مولع في نبش الماضي والتنقيب فيه عن مواطن الصراعات المختلفة في مسعى دائم إلى إعادة إنتاج هذه الصراعات بصور وأشكال متعددة (مذهبية، مناطقية، قبلية) وتوظيفها بدرجاتها القصوى على أمل أن تمد في عمره تبعاً لقاعدة \"فرق تحكم\" بحسب تعبير الدكتور محمد عبد الملك المتوكل، وفي بلد يزخر بمثل هذه الصراعات.
وعادةً ما يتمخض عن هذا الولع مواقف وسلوكيات فاضحة للغاية في طريقة استدعاء تلك الصراعات خصوصاً عند تعاطي النظام مع الأزمات الكبرى مثل مسألة الوحدة، وقضية صعدة، والقضية الجنوبية، ومؤخراً مطلب الثورة في التغيير.
في الآونة الأخيرة، استغل النظام انشغال الجميع بما خلفته المبادرة الخليجية من تجاذبات في الساحات السياسية والثورية، وترقبهم للنتائج التي يمكن أن تفضي إليها هذه المبادرة في ظل التقلبات الصارخة لمواقفه، فعمد إلى الإكثار من استفزازاته للمناطق الجنوبية ـ بالأخص الحساسة منها ـ بغية خلق حالة من الفوضى والصراع قد تنتهي بجر البعض إلى الاشتباك في معارك جانبية على أمل أن تتطور في النهاية إلى ما قد حذر منه الزميل منير الماوري من احتمال وجود خطة سرية لدى النظام للقضاء على الثورة الشبابية في ذكرى الوحدة ، عن طريق إحداث انشقاقات في الصفوف الحاضنة للثورة !.
فعندما قامت قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي بتسليم المواقع العسكرية ومراكز الأمن في عدة مناطق من محافظة أبين إلى متطرفين إسلاميين مزعومين، أثارت تلك الخطوة الكثير من التساؤلات والشكوك حول القصد من وراءها..
بعدها بأيامٍ قليلة، تفاجأ الجميع بقيام قوات الحرس الجمهوري بشن حملة عسكرية شرسة على مدينة جعار اُستخدم فيها الطيران وكانت تحت ذريعة ملاحقة بعض من هؤلاء المتطرفين الذين تم تسليمهم المواقع ـ يد بيدٍ ـ قبل فترة وجيزة، ترافق مع تلك الحملة تفجير مصنع الأسلحة الذي راح ضحيته المئات من المواطنين، وبحسب شواهد كثيرة، كانت عملية تفجير المصنع مدبرة!
وبعيداً عن الشبهات التي تحوم حول الجدية من انتماء هؤلاء المتطرفين إلى فكر التطرف في شكله المعروف على الصعيد الدولي، وعن شكل العلاقة القائمة بينهم والسلطة والتي تنعكس في طريقة إداراتها للحرب عليهم، وفي نوعية وتوقيت العمليات التي يقوم بها هؤلاء المتطرفون (صيامهم عن تنفيذ أي عمليات خلال فترة إقامة بطولة خليجي 20، على سبيل المثال)، لا ننسى أيضاً، قيام السلطة قبل عدة سنوات بمنح بعضٍ منهم رتب عسكرية رفيعة بذريعة احتضانهم (كسامي ديان ومجموعته)..
بعيداً عن كل ذلك، تم دس شائعة بين ساكني مدينة جعار - أثناء الحملة العسكرية عليها- تتحدث عن أن الطرف الذي يقوم بالإشراف على العمليات يُشكّل مع ساكني المدينة قطبيَّ الصراع التاريخي في المحافظة، هذا الصراع الذي نتج عنه في مراحل تاريخية معينة مصادمات دامية انسحبت أحياناً على مجمل الساحة الجنوبية.
مصدر تلك الشائعة معروف، والهدف من وراءها كان محاولة لنفخ الروح في ذلك الصراع وجر الشارع في تلك المناطق إلى منزلقٍ ينأى به عن الهدف المرحلي الرئيسي المُجمَع عليه.
وقد اُستغل في دس تلك الشائعة انتماء القيادات الحالية للمحافظة إلى طرفٍ بعينه؛ خصوصاً وأن بعض من هؤلاء القادة كانت أفواههم قد تعفنت من فرط استدعاء سيرة ذلك الصراع في مجمل خطاباتهم طيلة السنوات الأخيرة لابتزاز الناس وتهديدهم به.
ومن وراء بث تلك الشائعة تتجلى النوايا الخبيثة في اختصاص مدينة جعار بالحملة العسكرية دون غيرها من المدن والمناطق الأخرى في المحافظة (التي سيطر فيها المتطرفون أيضاً على الأمن والمواقع العسكرية) حتى يتم إثارة الكثير من علامات الاستفهام في أوساط المجتمع المحلي لمدينة جعار حول القصد من وراء اختصاصهم بتلك الحملة!
وعلاوة على أن محاولة كتلك تهدف إلى زعزعة السلم الأهلي قد باتت ساذجة وبائسة وتبدو عارية تماماً أمام الوعي السائد في أوساط المجتمع المحلي حيث لن تجد من يُلقي لها بالاً، فقد وفر النظام على الجميع مشقة البحث والتقصي عن مدى صحة مثل تلك الشائعات عندما جعل من القادة الجنوبيين الموالين له قطع شطرنج يتم تحريكها واللعب بها بعناية وحنكة!
وضمن هذا النهج الاستفزازي، حاول النظام مراراً أن يجر الحراك الجنوبي إلى معارك بعيدة عن القضية المحورية في الساحة بهدف خلط الأوراق لبعثرتها؛ حينما اختصهم بالقتل ـ دون غيرهم ـ في بداية الأمر، وبعد ذلك، الطريقة التي تم بها اقتحام ساحات اعتصامهم (كاقتحام ساحة الشهداء في المنصورة).
يأتي في السياق ذاته أيضاً ما تعرضت له مؤخراً مناطق في يافع من قصف بالأسلحة الثقيلة والطيران دون أي مبررات واضحة تستدعي مثل هذه الحملة الشرسة ، خصوصاً وأن خطة سحب قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي من المناطق التي لا تشكل للنظام أهمية إستراتيجية قد وُضِعت مبكراً بهدف مضاعفة الحماية حول القصر الرئاسي في صنعاء وزيادة عدد المتظاهرين في ميدان السبعين وهي المعركة الأكثر أهمية بالنسبة للنظام في الوقت الحالي.
ولن نفهم هذا السلوك الاستفزازي غير المبرر إلا بقراءته في سياق السياسية التي يتبعها النظام اليمني ومحاولاته الدءوبة لخلق بؤر توتر متعددة في مسعى لتفكيك قضية الثورة الكبرى وإحالتها ـ ومعها الشارع والبلاد ـ إلى قضايا هامشية صغيرة كما أسلفنا.
فجبل \"العُـر\" الذي تم عليه إقامة لواء للحرس الجمهوري بعد حرب 1994م مباشرة ( كجزء من ثقافة المنتصر الفوقية التي يستفز بها خصمه المهزوم خصوصاً وأن المكان لا يستدعي أكثر من إقامة مركز للشرطة) يُعتبر أحد الرموز المكانية التاريخية الهامة ليافع. فعلاوة على أنه كان يحوي على معابد للآلهة القديمة في الدولة الحميرية كما تشير بعض المصادر التاريخية، وما للأماكن الدينية من مكانة وتأثير في الوعي الجمعي للناس لا تزول حتى على الرغم من زوال العوامل التي أدت إلى منحها هذه المكانة والتأثير.. فقد جرت في عام 1094 هـ معركة شرسة بين جيوش الإمام بقيادة شمس الإسلام أحمد بن محمد بن الحسين بن القاسم وقبائل يافع على جبل العُر، انتهت بانتصار قبائل يافع على جيش الإمام ومقتل قائد الجيش شمس الإسلام (الذي دُفن على سفح جبل العُر). والوثائق التاريخية اليافعية (التي تُسمّى بالـ\"سجول\" أو \"البصائر\") تباهت بهذا النصر بالكثير من الفخر والتمجيد، وهذا الفخر والتمجيد ينعكس بالضرورة على المكان الذي حوى أرض المعركة (أي جبل العُر). وهذا ما يفسر النفور الدائم الذي يبديه أهل يافع تجاه إقامة لواء الحرس الجمهوري على هذا الجبل ذي المكانة الخاصة لديهم.
اعتقد أن هذه الخليفة لا يمكن أن تغيب عن نظام اعتاد على أن يتباهى برقصته على رؤوس الثعابين. وهو يعلم تماماً افتخار أهل يافع بذاتهم، وبتاريخهم، وعادة ما يتطرقون في كتبهم وكتاباتهم التي تتناول تاريخ يافع إلى عبارة الهمداني في \"إكليله\" التي وصفهم بـ\" أنجد حمير\" ، وهذا الشعور ربما يكون هو ما دفع المستشرق الأمريكي \"فلاج ميلر\" (الذي مكث لمدة تقارب العشر سنوات في يافع) إلى القول أن أهل يافع لديهم تصور بأن اليمن ملك لهم عندما قام برصد أصداء احتلال جزيرتي حنيش في يافع ومناطق أخرى من اليمن، وهذا أيضاً ما يفسر اندفاع اليافعي ـ عبر التاريخ ـ إلى نجدة المناطق التي تتعرض للغزو على امتداد الأرض اليمنية. وكل هذه عوامل مساعدة للنظام في أن تؤتي استفزازاته أكلها.
الاحتجاج السلمي أبطل خيار العسكرة، ولم يبق في جعبة الحكم غير الفتن الداخلية والاحتراب الأهلي كما يقول عبد الباري طاهر، وهو يدفع الأمور نحو ذلك بشدة ، وعلى الجميع إدراك النوايا الخفية لكل تلك الاستفزازات والتعاطي معها بحكمة وحذر بالغين فالدخول في معارك جانبية في توقيت كهذا لن يخدم أي قضية مصيرية كبرى هذا إذا لم يكن ليضرها بالتأكيد..!
elyaf3ee@hotmail.com