الحرب لا تنتهي بالنصر أو الهزيمة
بقلم/ منال القدسي
نشر منذ: 8 سنوات و 9 أشهر و 19 يوماً
الإثنين 25 يناير-كانون الثاني 2016 11:34 ص
المركز العربي لحقوق الإنسان ومناهضة الإرهاب-آشا حذر من أن هناك تنظيمات بدأت تتشكل ستكون اشد عنفاً من داعش والقاعدة.. تقرير المركز العربي لحقوق الانسان ومناهضة الإرهاب لم يتطرق للآثار النفسية والصحية والإجتماعية الناتجة عن الحروب ومايتخللها من قتل وتدمير وتشريد ونزوح وتفكك اسري.. وركز على التنظيمات التي أفرزتها الحرب والتي ستكون اشد عنفاً خلال خلال الفترة القادمة.. وكان الاسلم ان يكون اسم المركز العربي هو المركز العربي لحقوق الإنسان ومناهضة أسباب الإرهاب وليس الإرهاب حتى لا يكون هناك إرهاباً او الحدّ من ظاهرة العنف أو الإرهاب.
 اثار الحروب متشعبة وتمتد لعشرات السنين.. تندلع الحروب وعادة ماتوقدها اطراف لها مصالح وتدخل فيها اطراف او دول اخرى لحماية مصالحها وتزيد بسعيرها منظمة الامم المتحدة ومجلس الامن من خلال القرارات العقيمة التي تؤجج الصراعات والحروب وتتنافى والهدف الرئيس من انشاء منظمة الامم المتحدة وهو منع النزاعات بين الدول والحروب المستقبلية واصبحت الامم المتحدة تضم امم متفككة ومعسكرات عدائية تلهث لتحقيق اطماعها وفرض هيمنتها من خلال الامم المتحدة على حساب الدول الضعيفة.. 
ولربما تكون لبعض الوكالات الانسانية والحقوقية والتعليمية التابعة للأمم المتحدة بعض المساعي ولكن لاترقى ان تكون انجازات لمنظمة دولية كالامم المتحدة فهي تقدم الدعم والاغاثة والمساعدات لاطراف معتدية ومتمردة وتتعامل مع اطراف متمردة خارجة عن القانون وسلطة الدولة كما هو الحال في اليمن.
 وعودة لموضوع التنظيمات التي تفرزها الحروب، فهذه التنظيمات قد يُنظر الى اعضائها كمجموعات إرهابية وتصبغ بمسميات اسلامية كالعادة، ولكن السؤال الأهم من كان سبب في افراز وتشكيل هذه التنظيمات؟؟ هذه التنظيمات قد تشكلت فعلاً وهي من ابناء الشهداء والضحايا وممن قُتل أباه او أمه أو كليهما معاً امام عينيه وممن قُتل أخاه أو أخته أو ابنه ودُمر بيته. هؤلاء لا احد شعر أو يشعر بمعاناتهم، هناك شباب بالالاف في المعتقلات تُمارس عليهم أصناف وأساليب مبتكرة في التعذيب والاذلال والمهانة، ومنهم من أُوقف على مداخل تعز ومُنع من الدخول إلا بعد ترديد الصرخة مراراً وتعرض لسيل من عبارات الاهانة المذهبية والطائفية، هؤلاء جميعاً لو أفرز منهم 10% فقط وبحسبة بسيطة ستعطينا تنظيمات إنتقامية بعشرات الالاف تشكلت نواتها وهي اشد ضراوة من داعش والقاعدة، وان كانت داعش والقاعدة تستغل تلك الشريحة لصفوفها وتوظفها وفقاً لأهدافها. 
مجموعات صنعتها جرائم وتنظيمات وميليشيات عفاش والحوثي والمذهبية المقيتة المدمرة، تلك المجموعات او التشكيلات سرعان ما ستُنظم نفسها لتصبح تنظيمات هدفها الثأر لكرامتهم ودماء ابائهم وامهاتهم واخوانهم واخواتهم وابنائهم الذين قتلوا بصواريخ الكاتيوشا والمقذوفات وبوحشية واجرام مليشيات عفاش والحوثي، وقد تُستخدم تلك التنظيمات ايضاً من قبل الأطراف المتحاربة او اطراف خارجية. 
من أعضاء تلك التنظيمات التي تشكلت هناك من جمع بيديه أشلاء أباه أو أمه أو أخاه أو جميعهم والعالم يشاهد ومنظمة الامم المتحدة تتحاور مع اطراف النزاع وتارة تدعم طرف وتارة الطرف الآخر دون النظر للطرف المتمرد كمتمرد فاقد لأي شرعية ومتسبب باشعال الفتن والحرب ومعتدي فماذا نتوقع من اقارب الضحايا والمعتدى عليهم في عقر دارهم ؟؟ ان يحملوا غصن الزيتون للمعتدي ويطالبون بالحفاظ على النسيج الاجتماعي!!؟ أي نسيج اجتماعي بعد كل تلك الفظاعات يمكننا ان نتحدث عنه؟؟ واي تعايش ممكن ان يكون بين القتلة والضحايا!! هنا يصبح الحديث عن النسيج الاجتماعي ضرباً من التنظير العبثي. التقيت باحدى الفتيات وهي جامعية فقدت امها واباها واختها في قصف لمنزلهم في تعز وفقدت اخاها الذي لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره برصاصة قناص، ماذا كان يدور بخلدها وهي تحدثني عن مآسيها دون ان تذرف دمعة واحدة، ان تبحث عن حزام ناسف لتشتريه، تبحث عن مسدس وتردد: "مُستقضي قبل سنه مستعجل".
 هذه فتاة لم يتجاوز عمرها الواحد والعشرون عاماً، اخبرتها ان الاهل هم وطن وكما يقول الكاتب الاسكتلندي توماس كارليل (جميل ان يموت الانسان من اجل وطنه، لكن الاجمل ان يحيا من اجل هذا الوطن) وايضاً (لا تبدأ النجمة الخالدة بالتألق إلا مع اشتداد الظلمة).. ردت بقولها: "اولئك لم يعايشوا او يسمعوا او يعانوا من تلك الاحقاد والوحشية التي نعيشها وكان لهم وطن معطاء لذلك هم يعطونه اكثر ويضحون من اجله اما نحن فـ"رعية" في وطننا نعاني من التمييز في كل شيء وكثيراً ماحدثني والدي عن ذلك ولكنه كان متفائلاً بيوم سيأتي وتزال تلك المعاناة، ولكن اتى اليوم الذي دفع هو وامي واختي واخي ثمن سكوته وجيله على تلك المعاناة والذُل.. هم ارتاحوا.. نعم ارتاحوا اما انا فسأظل ادفع الثمن الى ان الاقي ربي وادعوا الله ان يكون معي في اخذ حقي فالساكت عن الحق شيطان أخرس".. هذه الفتاة الله هو الاعلم ماذا ستفعل، ولكن ان عجزت عن فعل شيء فحتماً ما ستتزوج يوماً وتربي اولادها على نزعة الحقد والكراهية على من كان سبب في فناء اسرتها ومعاناتها فالمؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين فما بالكم ونحن قد لُدغنا الآف المرات ومن نفس الجحر.
اعتقد انه من الغباء ان يعتقد البعض ان الحرب ستضع اوزارها، وستطوى صفحة الحرب بكل مآسيها وجرائمها ووحشيتها على طاولات المفاوضات وكأن شيء لم يكن!! الحرب التي نعيشها قتلت وشردت عشرات الالآف.
حرب ابناء الوطن الواحد فيما بينهم، اقلية مذهبية طائفية مناطقية رافعة شعار القتل والتدمير تريد ان تحكم وتنهب وتسيطر وتتملك الارض وما عليها من بشر وحجر، اقلية قادمة من الكهوف والقصور المنهوبة.. اقلية ترى انها صاحبة الحق الالَهي في الحكم.. وشرعت لنفسها التمرد والانقلاب وخوض الحرب والقتل والتدمير والنهب لتحقيق اطماعها.
وهاهي بحربها وعدوانيتها المتوحشة تتكسر امام صوت الحق، وحربها التي بدأتها ولن تنتهي بهزيمتها المنكرة فحتما ما ستجني تبعات عدوانها لعشرات من السنين. لقد افرزت الحرب احقاد واوجاع وتنظيمات تحمل شهوة إنتقامية لن يستطيع احد تطويقها لانها تبحث عن الموت ولم يعد للحياة اي معنى في قاموسها، هناك مجموعات اخرى تشكلت مشبعة بالحقد والكراهية الطائفية والمذهبية ولا سبيل لاقناعها بالتعايش مع من كان سبباً في اوجاعها ومآسيها، الجيل الذي عانى ولسعته نيران الحقد المذهبي والطائفي ليس من السهل ان نمحو ذاكرته بكل ما سجلته من احداث وجرائم ومآسي وحصار بوحشية لا يمكن لأحد يستطيع ان يقلل من اثارها وردود الافعال الانتقامية ربما لاجيال قادمة. فمن عجز عن وقف هذه الجرائم والقصف والقتل والدمار الذي ليس له اي دوافع سوى احقاد طائفية مذهبية مناطقية بحتة ويكفي ان نتذكر ما قاله احد قيادات المجلس الثوري بانه لو بيده لدمر تعز عن بكرة ابيها.. ويكفي ان يتذكر الجميع ان تعز محاصرة بثلاثة عشر لواء بكامل عتاده وسلاحه بالإضافة الى الالاف من المتطوعين من أبناء صعده وعمران وصنعاء وذمار واجزاء من حجة والمحويت.. والالغام التي زرعوها بعشرات الالاف لقتل الأطفال والنساء وعابر السبيل والقُرش لسنوات قادمة. نتاج طبيعي ان تتشكل تنظيمات اشد شراسة وعنف في الساحة ومن الصعب السيطرة عليها إلا في حال القاء القبض على عفاش وزبانيته وقيادت الحرس الجمهوري والمؤتمر الشعبي العام وكل من حرض وساهم وسعى لإبادة أبناء تعز وتقديمهم للقضاء، ربما يخفف ذلك من حدة الاحقاد التي افرزتها الحرب الطائفية المذهبية ضد ابناء تعز وغيرها من المحافظات على الرغم من استحالة حدوث ذلك فابناء اقليم ازال يرون في الشوافع رعية لا حق لهم بالحكم او المطالبة باي حق سوى الذي ينعمون به ابناء الطائفة الزيدية عليهم.. ويضحك على نفسه من يزعم ان ما يحدث هو من فعل الحوثي واتباعه فالحوثي واتباعه مجموعات غبية قبلت ان تكون واجهة دموية لابناء اقليم ازال الذين انضووا تحت شعارها واستطاع علي عفاش ان يزج بهم الى محرقة الحرب والدمار وكان دور ايران في هذه الحرب المذهبية ونزعتها لتوسيع دائرة نفوذها هو الابرز في تمويل وتقديم كافة وسائل الدعم وتأجيج الحرب واطالة امدها خدمة لمصالحها.
لا اعتقد ان هناك انسان طبيعي يؤيد او يشجع الطائفية والمذهبية فهي مرض عضال يفتك بالمجتمعات ويدمر حاضرها ومستقبلها، ولكن كيف العلاج عندما ينخر هذا السرطان في عظام المجتمع؟ وكيف العلاج منه ومن اثاره؟ هذا ما لا نستطع حتى الآن الخوض فيه، فلغة القوة ولغة الرصاص والدماء هي الغالبة. ماهو آت لا يحمد عقباه ولا يمكن التنبؤ به وبتداعياته.
الحرب حتماً ما ستنتهي ولكن من الآن ستطفوا تداعيات واثار الحرب وعلى رأسها تعصب مذهبي ومناطقي من قبل المناطق والمحافظات المعتدى عليها، ومخطئ من يعتقد ان نتائج الحرب هي مجرد انتصار أو هزيمة.