مكتب المبعوث الأممي يكشف تفاصيل لقاء سابق مع قيادات من حزب الإصلاح صاغت مسودته بريطانيا.. مجلس الأمن الدولي يصوت بالإجماع على قرار جديد بشأن اليمن الحكم على نجم رياضي كبير من أصل عربي بتهمة الاعتداء الجنسي الحوثيون يخنقون أفراح اليمنيين ..كيان نقابي جديد يتولى مهمة تشديد الرقابة على عمل صالات الأعراس مراقبون يكشفون لـ مأرب برس «سر» استهداف مليشيات الحوثي لـ أسرة آل الأحمر بصورة ممنهجة تفاصيل لقاء وزير الداخلية مع قائد القوات المشتركة لماذا دعت دراسة حديثة صندوق النقد الدولي لبيع جزء من الذهب الخاص به ؟ صدمة كبيرة بين فريق ترامب.. بسبب تعيين شخصية إعلامية في منصب سيادي حساس المركز الوطني للأرصاد والإنذار المبكر يوجه تحذيرا للمواطنين في خمس محافظات يمنية اليمن تزاحم كبرى دول العالم في قمة المناخ بإذربيجان .. وتبتعث 47 شخصًا يمثلون الحكومة و67 شخ يمثلون المنظمات غير الحكومية
تبدو إسرائيل للكثيرين دولة دينية يهودية، فاسمها هو اسم أحد أنبياء العهد القديم، وفكرة قيامها فكرة دينية مرتبطة بـ«أرض الميعاد» وعلمها مأخوذ من فكرة ثوب الصلاة، ونشيدها (هاتيكفاه) مشبع بالروح اليهودية، ومظاهر الأساطير الدينية لليهود بارزة للعيان في أسماء المدن والقرى العربية التي غيروها إلى العبرية، ناهيك عن أن المتطرفين اليهود هم الذين يحكمون إسرائيل اليوم.
وفي المقابل فإن «الأب الروحي للصهيونية» تيودور هرتزل كان حسب كثير من المؤرخين ملحداً، أو على أقل تقدير لا ديني، وزميله ماكس نورداو، وحاييم وايزمان أول رئيس لإسرائيل كانا كذلك، وكان ديفد بن غوريون لا يؤمن بقصص التوراة، وكذا غولدا مائير، وكل هؤلاء يمكن أن يقال عنهم إنهم زعماء صهاينة، لكنهم لم يكونوا يهوداً بالمعنى الديني.
وعند الحديث عن الصهيونية، فإننا يمكن أن نشير إلى أن بدايات تلك الحركة كانت في القرن السابع عشر، حسب بعض مؤرخيها، وأنها لم تكن حركة يهودية، قدر ما كانت حركة بروتستانتية إنكليزية، حيث الرؤية البروتستانتية التي تقوم على أن اليهود هم «أداة الخلاص» وأن قيام دولتهم سيعجل بعودة المسيح، على عكس الرؤية الكاثوليكية التقليدية التي ارتكزت على أساس أن اليهود هم «قتلة المسيح» ومن ثم فإنه يجب التخلص منهم بإبعادهم من أوروبا إلى فلسطين، وهي العملية التي وجدت فيما بعد مبررها «الأخلاقي» فيما سمي «بعقدة الذنب الأوروبية» التي سوغت حشد الجهود لتهجير اليهود من بلدانهم الأوروبية إلى فلسطين، وهو الهدف الذي أجمع عليه – قبل ذلك – الصهاينة البروتستانت والكاثوليك، وإن كانت المنطلقات مختلفة.
تلقف المستعمرون البريطانيون هذه الأفكار الدينية، في منتصف القرن التاسع عشر، وحاولوا علمنتها وإبعادها عن إطارها الديني المسيحي، ليلتقوا فيما بعد – ومع نهاية القرن التاسع عشر ـ مع طروحات الصهيونية اليهودية التي كان رموزها إما ملاحدة أو لا دينيين، حيث لم يمض آب/أغسطس من العام 1897 إلا وقد عقد أول مؤتمر صهيوني يهودي برئاسة تيودور هرتزل، لتلتقي أهدافه كمؤسس للصهيونية اليهودية مع أهداف المستعمر البريطاني وريث الصهيونية المسيحية، بغض النظر عن مصالح اليهود في العالم.
والواقع أن الصهيونية ظلت حركة انعزالية وغير مقبولة لدى غالبية اليهود، وأن مصالح الصهاينة والمستعمرين – لا اليهود – هي التي دفعتهم للهجرة، رغم كونهم غير معنيين بها، لولا الجهود الكبيرة والدعم المقدم من أثرياء اليهود الأشكناز، ولولا تسهيلات النازية – بادئ الأمر – حيث سجل تعاون بين قيادات الصهيونية والنازيين لتسهيل ترحيل اليهود، عبر اتفاقية «هفارا» التي سمحت لليهود الألمان في الثلاثينيات ببيع أصولهم مقابل بضائع ألمانية ليبيعوها لاحقاً، ويستفيدوا من عائداتها، ولتأتي «المحرقة» فيما بعد، وتستفيد منها الحركة الصهيونية في تحقيق هدفها الأكبر بدفع يهود أوروبا للهجرة، مع عدم إغفال حقيقة أن اليهود في مجملهم لم يكونوا متحمسين للهجرة لولا ما سبق ذكره من دوافع.
لينصرف النظر عن العلاقة بين الحركة الصهيونية والحركات الاستعمارية الغربية، تم استجلاب الشعارات والصيغ الدينية اليهودية، لتأسيس أكبر قاعدة استعمارية غربية في البلاد العربية تحت غطاء ديني يهودي
ومع النجاح الصهيوني ـ الاستعماري في إقناع اليهود بالهجرة إلى فلسطين بدأ التفكير في طرد الفلسطينيين من أرضهم على اعتبار أنها أرض إسرائيل (إيريتس يسرائيل) وكان الشعار حينذاك «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض» رغم كثير من الإشارات التي وردت لدى بعض الزعماء الصهاينة حول الوجود العربي في فلسطين، ووجوب «طرد العرب وأخذ أرضهم» حسب بن غوريون، وإشارة موشيه ديان إلى أن القرى اليهودية أقيمت على أنقاض قرى عربية.
وقد جاءت فكرة طرد الفلسطينيين من أرضهم لمواجهة إشكالية إنشاء دولة يهودية في فلسطين، مع وجود أغلبية عربية، وهنا تساوقت الفكرتان: فكرة التهجير اليهودي إلى فلسطين وفكرة التطهير العرقي الفلسطيني منها، وكانت النتيجة نكبة 1948، التي تم فيها إبعاد أكثر من 700 ألف فلسطيني خارج أرضهم، إثر مذابح رهيبة تمت بتواطؤ بين العصابات الصهيونية والمستعمر البريطاني آنذاك.
ولكي ينصرف النظر عن العلاقة بين الحركة الصهيونية والحركات الاستعمارية الغربية، والبريطانية منها على وجه الخصوص، تم استجلاب الشعارات والصيغ الدينية اليهودية، لتأسيس أكبر قاعدة استعمارية غربية في البلاد العربية تحت غطاء ديني يهودي، لتصبح إسرائيل فيما بعد وكيلة القوى الاستعمارية الغربية في المنطقة بعد رحيلها، على اعتبار أن تلك القوى هي وريثة «الصهيونية المسيحية» ومن ثم تصبح إسرائيل ذاتها وكيل الولايات المتحدة في المنطقة، بعد أن أصبحت أمريكا هي الوريث غير الشرعي للاستعمار الغربي والإمبريالية العالمية. وقد صرح هرتزل بالطابع والهدف الغربي للدولة، عندما ذكر أن اليهود إذا عادوا إلى ما أسماه وطنهم التاريخي «فإننا سنفعل ذلك، كممثلين للحضارة الغربية».
وعلى الرغم من أن شرائح دينية يهودية واسعة لا تزال إلى اليوم تعارض الصهيونية وتفرق بينها وبين اليهودية، إلا أن زعماء الصهاينة حاولوا ألا يفرقوا بين الصهيونية واليهودية، وذلك ليوفقوا بين ميولهم اللادينية ورغبتهم في إضفاء الطابع الديني على الدولة، وتم الخروج بفكرة أن اليهودية هي عرق أكثر منها ديانة، وهنا يؤكد بن غوريون أن «العربي يمكن أن يكون مسلماً أو مسيحياً، ويظل عربياً» لكن اليهودي لا يمكنه أن يكون على دين آخر، ويظل يهودياً، في إشارة إلى امتزاج اليهودية الدينية باليهودية العرقية.
يذكر عبدالوهاب المسيري أنه تعرف على فتاة يهودية أمريكية لم تكن تمارس أياً من الشعائر اليهودية، وأنها كانت تصر على تقديم نفسها بصفتها يهودية، وأنه قال لها: «سارة إن قلتِ أنك أعظم امرأة في العالم فسأصدقك، أما أن تسمي نفسك يهودية فهذا صعب علي تصديقه» ولكنها كانت تصر على ذلك التوصيف، وحين سألها: لماذا هذا الإصرار على اليهودية، بما أنها لا تمارس الشعائر؟ قالت «أريد أن أكون جزءاً من شيء قديم» وهي عبارة لها إيحاءاتها العرقية والسلالية.
ومع تحول اليهودية إلى عرقية أصبحت القداسة مرتبطة بالعرق لا الدين، وأصبح «شعب الله» هو مناط التقديس لا الله نفسه، أو أن صفات القداسة الإلهية قد حلت في الشعب، في شكل من اشكال «الحلولية اليهودية» – حسب المسيري – وفي تأثر واضح بمقولات تلمودية قديمة، وكذا بنظريات فلسفية أوروبية، تتكئ على الداروينية والنيتشوية، رغم اختلاف التفاصيل والمسارات.