المغاربة مهووسون بالتنجيم والسحر
نشر منذ: 17 سنة و 11 شهراً و 11 يوماً
الإثنين 15 يناير-كانون الثاني 2007 07:19 ص

قبل أيام انفجرت قضية كبيرة في المغرب، بطلها المكي الترابي، 53 سنة، الملقب بالشريف، أحد أشهر المشعوذين بالصخيرات، ضاحية العاصمة الرباط، قضية الدجال المغربي الشريف المكي، أحد أغنياء المنطقة الفلاحية، إذ اتهم بقتل فتاة تدعى فاطنة الراشدي، 28 سنة، خلال إحدى جلساته المعتادة للعلاج من الصرع وإخراج الجن. المكي يدعي أن له قدرة خارقة تشفي المرضى بمجرد لمسهم بيده. كان يطلب من الراغبين في بركته قالبين من السكر وقنينة ماء معدنية.

بزغ نجم هذا الدجال وأضحى قبلة لآلاف المرضى، سلطات المنطقة قدرت زواره خلال اليوم الواحد قرابة أربعة آلاف راغب في بركة "الشريف". أضحى المكي نجما في الإعلام المغربي المكتوب، صحف يومية ذات مبيعات مرتفعة تفتتح به أخب
ارها وتخصص له أكثر من ربورتاج، وهذا ساهم في إشعاعه.

يعتقد هذا الدجال أنه بلمسه المريض ينتقل ألمه إلى جسده، وصرح للصحف أن "بركته" كنز إلهي. أضحى بيته، قبل أيام من وفاة الفتاة بين يديه، وجهة لمختلف الطبقات الاجتماعية، وتحدثت صحف مغربية عن زيارة أميرات إلى بيته خلسة. قبل المكي بأشهر اعتقلت السلطات المغربية دجالا آخر اتهم بقتل فتاة بعد تعذيبها، معتقدا أنه يخرج الجن. القضية، على خلال الدجال المكي الترابي، معروضة على القضاء حاليا.

المغاربة والسحر والشعوذة

إيمان المغاربة بالسحر والشعوذة كثيرا، فالفقر والأمية المرتفعة، خاصة في أوساط النساء يشجع بروز المشعوذين والدجالين. "ألجأ إلى بركة الفقهاء، وهو الاسم الذي يطلق على الدجالين والشوافة كذلك، للعلاج، وقد ورثت هذه العادة من أمي، فلم تكن تذهب إلى طبيب أو عشاب، وكلما أصيب أحدنا بمرض تأخذه إلى الفقيه" تحكي فاطنة، 45 سنة ربة بيت.

وخلصت خديجة أميتي، باحثة في علم الاجتماع في بحث لها أن التحولات التي يشهدها المغرب لا تعني تحولا جوهريا في بنيته الثقافية، بل إن بعض الممارسات والعادات القديمة ذات الأبعاد الغيبية ما زالت سائدة بين فئات عريضة من هذا المجتمع. وعزت تلك العادات إلى تفاقم الأزمات وتداخلها وارتفاع نسبة الفقر والبطالة والأمية بين هذه الفئات مع تنامي حاجاتها يزيد من تعاطيها لبعض الممارسات الغيبية لحل مشاكلها. وأضافت أن انتشار الشعوذة يعكس سيادة الثقافة التقليدية اللاعقلانية، تفسر كل شيء بالغيب، إضافة إلى أن المدرسة لا تقوم بدورها التحسيسي التوعوي.

اعتادت كثير من العائلات على بركة الفقهاء والشوافة. حجم هذا الاهتمام يظهر في المدن المغربية بشكل جلي، فمدينة الدار البيضاء تتوفر على "سوق جميعة" بدرب السلطان. يبيع هذا السوق كافة أنواع المواد المستخدمة في السحر أو العلاج من أمراض كثيرة ك""الشبا والحرمل والفاسوخ واللدون، وتستعمل في إبطال العين والعلاج من السحر أحيانا، كما يعرض التجار مجموعة كبيرة من الحيوانات المستعملة في الشعوذة والسحر، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الأعشاب. كما تنتشر في الأحياء الشعبية دكاكين العطارة والعشابة، يبيعون من الأعشاب إلى مخ الضبع، حتى بعض أجزاء الفأر، بعض المواد تصل إلى 500 دولار للقطعة الصغيرة.

الدجل يمارس كذلك في مجموعة من الأولياء الصالحين المنتشرين بشكل كبير في المغرب، إذ يلجأ المغاربة بكل فئاتهم وأعمارهم إلى خدمات دجالين ومشعوذين متواجدين بضريح الأولياء. وقد لاحظت الباحثة في دراسة لها للظاهرة، على أن امتهان الشعوذة لم تعد فقط مهنا محدودة في العدد والممارسة، بل اتسع فضاؤها وتزايد المتعاطون لها كمحترفين ومستهلكين، وهذا مرده أساسا إلى المشاكل الاجتماعية التي تفاقمت بشكل كبير وأضحى حلها مستعصيا.

بورجوازيون ومتعلمون وجهلة سواء أمام الدجالين

الإقبال على الدجالين والمشعوذين ليس حكرا على فئة دون أخرى، فقبل شهر اكتشف مدير عام مؤسسة مغربية معروفة لجوء مديرة للموارد البشرية إلى السحر، إذ كانت تطلب من عاملات النظافة وضع سائل غريب لتنظيف مكاتب أعدائها ومنافسيها وحتى المدير العام، كي تحظى ب"القبول" والاحترام من قبل الإدارة. كما اكتشفت في أحد الأيام تحمل معها ديكا أسود اللون. هذا الخبر يكشف أن اللجوء إلى السحر والشعوذة لا يقتصر على فئة سوسيو اقتصادية دون غيرها، وتؤكد إحدى الموظفات أن صديقاتها غير المتزوجات والمتخرجات من معاهد عليا وذائعة الصيت، تلجأن إلى الدجالين "غالبية صديقاتي تفعل ذلك رغبة في الحصول على صديق أو زوج، بعضهن ورغم تعليمها العالي تفعل ذلك كي تحظى بالقبول من قبل رؤسائها وكي تتسلق المراتب" تحكي الموظفة في مؤسسة للتواصل.

اللجوء إلى السحر والدجل ليس شأنا نسائيا، فكثير من رجال الأعمال والمال والسياسة يستشيرون المشعوذين والسحرة قبل الإقدام على مشاريعهم. في العاصمة المغربية الرباط، اشتهر أحد الدجالين في أحد أرقى أحياء العاصمة، يملك الدجال ثروة طائلة لأن جميع زبنائه من الميسورين. وإن كانت الباحثة أميتي، تربط ارتفاع الإقبال عليه بتبعات الهجرة من إقصاء وتهميش. هذه التبعات، تضيف، شكلت أرضية خصبة لإنتاج واستهلاك المزيد من أنواع "الشعوذة" والأعمال المرتبطة بها كالسحر والعرافة، واستعمال الأدوات المساعدة كالتمائم وأنواع البخور وغيرها من الطقوس.

يوما بعد يوم يتحول دجالون في المغرب إلى نجوم كبار يقصدهم الغني والفقير، فتجارة بيع الوهم مزدهرة، خاصة أيام الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، المغرب ليس البلد العربي الوحيد، فالعرب عموما مسكونون بالشعوذة والسحر، إذ قدرت الإحصائيات إنفاقهم على السحر سنويا في 5 مليون دولار.

*ايلاف