ما يزال اليمن مساحة مفتوحة للحرب، وللحرب فقط، بعد أن تعثرت جهود إحياء المشاورات من جانب الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، ولكن هذه الحرب تمضي بوتيرة بطيئة ومملة، على الرغم من المفاجآت التي تتحقق في أكثر من جبهة.
الحرب قائمة، ونيرانها مشتعلة، وعداد القتلى لا يتوقف، ولكنها متقطعة حتى في أشد الجبهات اشتعالا، وبالأخص في الجوف وأطراف مأرب الغربية، وفي تعز، وفي دمت عند الطرف الشمالي لمحافظة الضالع.
هناك ما يشبه التعامل بالتجزئة مع المشكلة اليمنية الغائرة جدا والقاتلة جدا.. هذا الاستنتاج عززته الزيارة المفاجئة التي قام بها محافظ عدن ومدير الأمن فيها إلى أبو ظبي، وانتهت الجمعة.
وكانت زيارة مثل هذه مثيرة للعديد من الأسئلة، خصوصا أن أهم مسؤولي عدن تركوا المحافظة وهي تعيش وضعا أمنيا خطيرة.
لا يمكن فهم زيارة مثل هذه إلا أنها تأتي في سياق تطويع هاتين الشخصيتين، اللتين تم تعيينهما في هذين المنصبين بضغوط إماراتية، للاندماج أكثر في مشروع الدولة اليمنية الموحدة، بعد أن تغولت المجموعات المسلحة المحسوبة على الحراك الجنوبي، وأحدثت اضطرابات أمنية غير محتملة في مدينة يسعى الجميع إلى أن تكون نموذجا ليمن ما بعد المليشيا.
أقول ذلك لأنه ليس بوسع الإمارات أن تناقش ترتيبات الوضع في عدن مع مسؤولين محليين مباشرين، فأمر مثل هذا ينبغي مناقشته مع مسؤول يمثل الدولة، مثل وزير الداخلية أو وزير الدفاع، وإلا فإن الأمر سيبدو كما لو كانت الإمارات تتصرف على أنها سلطة احتلال.
وفيما يمكن اعتباره كسرا مهما لرتابة المعركة، نفذ التحالف العربي غارات عدة خلال اليومين الماضيين، استهدف من خلالها مواقع عسكرية وثكنات في محيط القصر الرئاسي، وقد وصفت وفقا لسكان العاصمة صنعاء، بأنها واحدة من أشد موجات القصف عنفا التي تتعرض لها مدينتهم.
المعلومات تحدثت عن عملية إخلاء أسلحة من مخازن سرية في محيط دار الرئاسة في جنوب العاصمة، لحظة استهداف هذه المواقع، ربما أنها كانت في طريقها إلى الجبهات، ولهذا تسببت الغارات في انفجارات عنيفة للصواريخ والقذائف المستهدفة بالقصف، وأضاءت سماء صنعاء بشعلة نيران استمرت فترة طويلة.
لكن حتى هذه الغارات تشبه المعركة الميدانية، فهي متقطعة، رغم أنها ليس تكتيكية فقط، بل استراتيجية من حيث أهدافها الميدانية، وأثرها المباشر، فهي توجه ضربات موجعة للاحتياطي التسليحي الذي بحوزة المتمردين في صنعاء، وتستهدف بشكل متقطع الأحزمة الأمنية الثلاثة المحيطة في العاصمة صنعاء، ما يعني أن المعركة رغم أنها متقطعة. لكنها لن تحيد عن هدفها الرئيس وهو الوصول إلى صنعاء.
هذا الهدف، هو الذي دفع الحوثيين ومعهم المخلوع صالح إلى إشهار السلاح الديني، في معركة يرون أنها تحيط بهم أكثر من أي وقت مضى، ويفقدون معها السيطرة على الميدان، ويفقدون كذلك الأمل في إلحاق الهزيمة التي كانوا يخططون لإلحاقها بخصومهم، خصوصا بعد أن عاد هؤلاء الخصوم، وفرضوا سيطرتهم على مساحة واسعة من البلاد.
المرجع الزيدي البارز محمد المطاع، الذي ينحدر من سلالة العباس بن علي بن أبي طالب، المعروف بـ"العطشان"، أطلق فتوى بتكفير الرئيس هادي والقوى السياسية المساندة له، مكرسا بهذه الفتوى المغامرة الصورة النمطية للحرب التي يخوضها الحوثيون، باعتبارها حربا دينية في الأساس، ولأنها ما تزال مرشحة للاستمرار حربا دينية، وفقا للتصور المرسوم من أطراف خارجية، أرادت توظيفها في تصفية الخصوم العقائدين للحوثي، والخصوم الأمنيين لمن وفروا الغطاء للحرب الحوثية منذ بداية عام 2014.
ما من مبرر لهذه الفتوى سوى أنها تقدم إسنادا ملحا للمليشيا، ولحليفها المخلوع صالح، في وقت حرج للغاية، بعد أن استطاع التحالف عبر دعمه للجيش الوطني وللمقاومة أن يستنزف القوة العسكرية للمتمردين وينهكها، ويلحق بها هزائم متتالية في مختلف الجبهات.
الفتوى تمنح غطاء دينيا واضحا لخطة المخلوع صالح والحوثي، بشأن التحرر من ولاية السلطة الانتقالية وشرعية الرئيس هادي، وذلك لضمان أوسع تأييد لاستمرار مغامرة الحرب والمضي في خيار المواجهة مع التحالف والجيش الوطني، مهما كان الثمن.
الجمود في المسار السياسي استطاع على ما يبدو أن يسحب أثره على المسار العسكري، الذي رغم اشتعاله، فإنه يمر أيضا بمرحلة جمود، ويحتاج إلى أن يتحرك بوتيرة أعلى بعد أن تيقن معظم اليمنيين أنه لا أمل في جنوح حلف التمرد للسلم المفضي إلى حل حقيقي وعادل للأزمة والحرب في اليمن.