ما لا يعرفه العرب عن فوائد زيت الزيتون وعجائبه في جسم الإنسان الضالع: وفاة شابة ووالدتها غرقاً في حاجز مائي غلاء عالمي لأسعار الغذاء إلى أعلى مستوى ست مواجهات شرسة ضمن بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز إستعدادات كأس الخليج.. لجنة الحكام باتحاد كأس الخليج العربي تجتمع على هامش قرعة خليجي 26 أول رد من المجلس الرئاسي لوزارة الدفاع السعودية بخصوص مقتل وإصابة جنود سعوديين بحضرموت تقرير: مليون يمني ألحقت بهم أمطار هذا العام أضراراً متفاوتة وضاعفت مخاطر الإصابة بالكوليرا ضبط عشرات الجرائم في تعز والضالع خلال أكتوبر حزب الإصلاح يتحدث لمكتب المبعوث الأممي عن مرتكزات وخطوات السلام وأولوية قصوى أكد عليها المسلمون في أميركا صوتوا لمرشح ثالث عقاباً لهاريس وترامب
مأرب برس - خاص
لعل الظروف العصيبة التي تعيشها الأمة في حالتها الإستثنائية الراهنة ، فرضت على كثير من التيارات الوطنية التلاقي والتحاور والتشاور حول عدد من القضايا المصيرية ، ومن أهم هذه التيارات الفاعلة على الساحة الإسلامية والعربية ، التيار الإسلامي والتيار العلماني ، فمنذ عقود من الزمن والتياران يخوضان معارك طاحنة على مختلف الأصعدة والمجالات ، ومع اختلاف هذين التيارين في اعتماد المرجعية التشريعية والفكرية لكليهما ، إلا أن ضغط الواقع فرض على الجميع الجلوس على طاولة واحدة للحوار والنقاش ، في بعض البلدان الإسلامية ، ومع اختلاف هذين التيارين في الوجهة والهدف ، فلكل منهما وجهته السياسية وقِبلته الفكرية ، مما ألقى بظلاله على مسار هذا الحوار في حاضره ومستقبله ، بيد أنّ هذا الحوار ينبغي تعزيزه وتنميته ، مع ما تكتنفه من صعوبات ومشكلات ، ولعل من أهم هذه الإشكاليات في تقديري
:
أولاً:
حالات التطرف والغلو من بعض تيارات هذين الاتجاهين ، العلمانية والإسلامية ، فلا ينكر أحد أن ثمة تطرفاً شنيعاً وإقصاءاً مقصوداً يمارسه التيار العلماني ، ولعل الأنموذج ألمغاربي والمصري مثال صارخ على ما نقول ، لقد مضت عقود على نشأة التيار الإسلامي في مصر ، بل واستطاع هذا التيار أن يخوض غمار الهامش الديموقراطي لينتزع نحواً من 80 مقعداً في مجلس الشعب المصري ، وله قنواته الإعلامية وصحفه ومراكزه وواجهاته وقواه الحية ، ويضم في أوساطه الآلاف من أعلى الشهادات العلمية والخبرات ، في شتى الميادين والمجالات ، بيد أن الحزب الوطني الحاكم يرفض حتى مجرد الحوار معه ، لا بل إنه ليفرض عليه نظام الطوارئ منذ عام 1981م وإلى يومنا ، وسحب الحزب الحاكم هذه الحالة الأمنية على كل الشعب المصري بالتبع
.
هذه الحالة الإقصائية أعتقد أنها حالة شائعة في معاملة التيار العلماني في كثير من البلدان ، للتيار الإسلامي - الذي أدار له الزمان ظهره - وكما في سوريا وليبيا والأردن وغيرها
.
مما يجعل المناداة بالحوار مع من لا يريد الحوار ، أو لا يؤمن به ، و مع من لا يفهم إلا اللغة الأمنية والبوليسية والاستخباراتية نوع خبل ، ومضيعة للوقت ، بمقتضى الحال والواقع
.
بالمقابل أيضاً لا ننكر أن هناك بعض الأصوات داخل التيار الإسلامي العريض والكبير ، لديها نحواً من الغلو العلماني في رفض هذا الحوار مع الآخر جملة وتفصيلاً ، ويحبذ دوماً – هذا التيار - الزوايا المظلمة ، والأقبية الموحشة ، للحوار مع نفسه أو ذاته ، والذي بدوره للأسف يفشل - هذا الحوار حتى مع الذات - في كثير من الحالات والأحيان ، فضلا عن الحوار مع الآخر
.
رغم أن الآخر ربما لم يعد علمانياً بالمفهوم والمصطلح العقدي الشرعي ، كما هو الشأن في الحالة اليمنية التي التزمت فيها كل الأطراف السياسية بالدستور والقانون ، الذي يفرض على الجميع العمل وفق المرجعية الإسلامية العليا ، الإسلام عقيدة وشريعة ، والتي اعتمدتها كل الأحزاب اليمنية
.
قل هذا كذلك في بعض دول الجزيرة والخليج ذات الوضع القريب من الوضع اليمني دستورياً ، حيث ترفض بعض الأصوات من الإسلاميين الحوار مع التيار العلماني على اعتبار أنه تيار شاذ ونشاز ومنبوذ ، فيما هو في الحقيقة يحتل أهم نقاط القوة في المجتمع والقرار ، وهو القوة الفاعلة لا سيما في الإطار السياسي والثقافي والاقتصادي والإعلامي ، ويفرض وجوده على الساحة رضي من رضي وأبى من أبى
.
برغم كل هذا إلا أن بعض إخواننا الإسلاميين يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى ، نحو الحوار في بعض البلدان ، ولعل الإشكالية لدى بعضهم تكمن في قراءة الشريعة قراءة غير صحيحة ، أو في ضعف قراءة الواقع قراءةً مستبصرة واعية ، أما الواقع فلا أحسبه محل جهل لدى بعض القوى العاقلة والفاحصة فيهم ، وأما الشريعة فهي تلزم الجميع بالحوار حتى مع أهل الكتاب ، فضلاً عن غيرهم ممن يتوسم فيه أنه لا يزال على أصل الإسلام وعلى نقاء الفطرة ، والتقصير ربما حاصل من جانب التيار الإسلامي نفسه في عجزه عن حمل رسالة الدعوة ونور الهداية إلى من يجهلها ، من أبناء الأمة عموماً ، بما فيهم التيار التغريبي العلماني ، في ظل الحملة الغربية الشعواء المستهدفة لكل مقومات المجتمع وثوابته
.
وحتى لا أعمم فإني أزعم أن كثيراً من الإسلاميين في الجزيرة والخليج في حقيقة الأمر يضجون من الإقصاء العلماني ، ويئنون من إبعادهم حتى عن مجرد التعبير عن آرائهم بحرية وسلام ، فضلاً عن إفساح المجال لتواجدهم في مواطن التأثير ، مما جعل الإسلاميين يعانون كثيراً من الترهل بسبب "الكَبْسة" السياسية و"المضغوط" الفكري والثقافي ، رغم قاعدتهم الجماهيرية العريضة
.
ومع هاتين الصوريتين المتنافرتين فكراً وسلوكاً وممارسة ، المتحدتين نتيجة ، يقف العاقل حائرًا ، ما المخرج وما الحل؟
!.
لاشك أن الواجب في هذه الصورة الرجوع إلى الوسطية والاعتدال ، ومن مقتضيات هذه الوسطية والاعتدال ، الاعتراف بالآخر ، والاعتراف بحضوره على الساحة وفي الميدان ، وإن كان يختلف هذا الحضور قوة وضعفاً ، وأثراً وتأثيراً ، وكماً ونوعاً ، وإيجاباً وسلباً ، إلا أنه في كل الأحوال لا يمكن تجاهله ، مما يتطلب من الجميع نبذ لغة الإقصاء ، في أي شكل من الأشكال ، والبحث عن نقاط الاجتماع والوحدة ، لا الاختلاف والفرقة ، فإن تعذرت فرضاً ، وانعدمت تقديراً ، فالنظر إلى المصلحة ومشكلات الواقع وتعقيداته التي تحتم وتفرض على الجميع اللجوء إلى الحوار ، في إطار المصلحة الإسلامية والعربية ، وفق قانون الشريعة وقانون النظم والسنن الكونية
.
إنه لمن العجز والسخف بمكان الحيلولة دون الحوار الإسلامي العلماني ، بحجة أن لا مرجعية ولا أرضية مشتركة بين الطرفين ، فليكن ، أليس كذلك من الجرم أن يدع الإسلاميون هذه التيارات العلمانية ، ترتمي كلية وبمجموعها في الأحضان الدافئة للمشروع الأميركي ، ليتحولوا إلى قنابل موقوته ضد أمتهم وهويتها ، لا سيما وأنهم يشعرون بتجانس فكري وتقارب ثقافي كبير مع المشروع الأميركي ، وبالمقابل يشعرون بالوحشة والغربة والنبذ الفكري والإقصاء الثقافي ، ممن يسمونهم ب "المطاوعة
" .
إن محاولات جر هذه التيارات العلمانية إلى محيط الأمة وقضاياها ومشكلاتها أمر مطلوب شرعاً وديناً ومصلحة ، لا سيما مع التيارات الوطنية المعتدلة الأصيلة منها
.
ثانياً:
لا بد من التنازلات المطلوبة والضرورية ، كبدهيات لا بد منها للحوار ، إذ لا يعقل عدم حصول أي من التنازلات في أي حوار ، ونعني بالتنازلات: التنازلات من كلا طرفي الحوار ، الإسلامي والعلماني ، وبلا شك وإنصافاً للحقيقة أننا وجدنا تنازلات كثيرة قدّمها الإسلاميون أكثر من غيرهم ، فحماس على سبيل المثال والتي بحسب العرف الديموقراطي لها الحق في الاستئثار بالحكومة الفلسطينية ، رأيناها تتنازل عن حوالي نصفها للإخوة في فتح والمستقلين
.
وفي اليمن رأينا حزب التجمع اليمني للإصلاح ظل طوال أكثر من ربع قرن هو الحامي لنظام الرئيس صالح ، عرفهم عبر ما سُمي بالحروب الوسطى ، وعرفهم في حرب صيف 94م ، وعرفهم في كثير من أوقات المحن والشدائد الكثيرة والمتتالية التي مرّ بها النظام ، وإن كان الهدف ليس هو حماية كرسي الحكم بقدر ما هو حماية للوطن ومكتساباته ، والأمل الذي كان يحدوهم في أن يحسّن النظام من أدائه ، وأن يسعى نحو الإصلاح الشامل ، لقد ظلّ الإصلاحيون في اليمن يحتفظون بعلاقتهم الودية والعسلية مع الرئيس صالح ، حتى قال قائلهم في فترة من الفترات إن الرئيس هو مرشحنا للرئاسة ، فمن هو مرشح الحزب الحاكم ؟! ولم تسئ العلاقة إلا بعد أن ألغي الهامش الديموقراطي أو كاد وضيق على الحقوق والحريات ، وضيق على الرأي والمؤسسات ، وعلى وغلى صوت التزوير والمصادرة
.
وكذلك هم الآن يضربون المثل الرائع مجدداً في التقارب والتفاهم مع إخوانهم عبر اللقاء المشترك الذي يضم كثيراً من الأحزاب الوطنية ممن لديهم برامج مختلفة عن برنامج حزب الإصلاح ، أولئك الذين كانوا بالأمس القريب يستحيل عليهم أن يلقي أحدهم حتى تحية أو سلاماً ، على شبه إسلامي ، كأقل تقدير ، مما لا نريد أن نذكّر في هذا المقام بمآسيه وأوجاعه وكوابيسه المرعبة ، فضلا عن الجلوس على مائدة واحدة للحوار
.
وكذا الحال في السودان وما قدمه النظام الإسلامي هناك من تنازلات كبيرة للحركة الشعبية لتحرير السودان الجنوبية ، وعلى قاعدة المناصفة في كل شيء رغم أن حركة التحرير أقل سكاناً من الشمال
.
وفي العراق قبِل الإسلاميون المشاركة في الحكم ، وقدّموا الكثير من التنازلات أيضاً ، منها القبول بالعملية السلمية والحوار السياسي السلمي حتى مع المحتل المغتصب ، بيد أن التيار العلماني لم يقبل بكل هذا التنازل ، وتم إبعاد الإسلاميين في تشكيل الحكومة الجديدة
.
وقل مثل هذا أو قريبا منه في الكويت وموريتانيا والصومال ، وهلم جرا ، ممن يعانون الأمرّين من الاضطهاد العلماني
.
والسؤال المطروح الآن بعد كل هذا ، مالذي قدّمه التيار العلماني بالمقابل من تنازلات؟! ، إن صح التعبير، وإن كان المفترض ألا تكون العلاقة مبينة على التنازلات بل على التقارب والتعاون والتفاهم والتعاضد ، كمفاهيم يجب تعزيزها في العلاقات السياسية بين كل الأطراف
.
ليسمح لي إخواننا العلمانيون في التيارات المعتدلة منهم في القول بأن محاولات الإقصاء والإلغاء لم يعد هذا عصرها ولا زمنها ، والخاسر الأكبر هي تلك الأنظمة المستبدة ، أياّ كانت ، في عدم فتح أبواب الحوار ، وعلى مصراعيه مع الآخر ، وتعزيز هذا الحوار وتطويره ، وتقديم المصلحة الشعبية والوطنية على المصالح الحزبية أو الشخصية الضيقة
.
ثالثاً:
تبقى لي بعض الملحوظات على الحوارات الإسلامية والعلمانية القائمة ، فمع أنها خطوة إيجابية طيبة ومباركة ، لكنها أيضاً لا تخلو من ملحوظات من أهمها
:
1)
) حصر مهام الحوار في مواجهة السلطة الحاكمة على اعتبار أنها محور الشر ، أمر ليس بسديد ، ولا حسنٍ ولا كريم ، بل الواجب أن تتعدد مجالات التعاون والتنسيق في شتى المجالات الخدمية والصحية والإنمائية والاقتصادية ، وإذا عجزت هذه الأطراف عن التعاون المشترك وهي خارج إطار السلطة فستكون أكثر عجزاً وهي داخل السلطة ، إن أذن وجاد لها القدر
.
(2)
يعاني بعض الإسلاميين من التخلف الإداري فلا تزال بعض مؤسساتهم وجامعاتهم تعيش خلف الشمس ، فيما يمكن الإفادة من العلمانيين في هذا الجانب مع ما لديهم أيضا هم من فساد إداري ، فالجميع يعيش ضمن منظومة الدول النائمة ويستظل بسقفها ، بيد أنه في تقديري أن كثيراً من العلمانيين هم أحسن حالاً إدارياً من بعض الإسلاميين ، وإن كان من نجاح لبعض المؤسسات الإسلامية فلعل من أسبابه التلمذة على إداري علماني ، هكذا على الأقل فيما يبدوا لكاتب هذه الدراسة ، على اعتبار أن الإدارة علم من العلوم وفن من الفنون ، وإن كانت المسألة في كل الأحوال نسبية وتقديرية ، لكن لا مانع من الإفادة من التيار العلماني في شكله الإداري ، مع ما لديه كما ذكرت من جوانب قصور وخلل لا يخفى ، كما أن الإسلاميين لديهم تميز وإبداع في العناية بالتراث العلمي والحضاري والثقافي الإسلامي والعروبي ، يمكن للإخوة العلمانيين العودة إليهم ، في هذا الباب وهذا المجال ، الذي هم فيه مراجع ومصادر لا ينكرها أحد
.
3)
) لا بد من الإشارة والإشادة والمباركة في هذا السياق والمقام ببعض التجارب الحوارية في الوطن العربي والإسلامي والتي أرى من أهمها الحوارات الطيبة في بعض دول الجزيرة والخليج وكذا في اليمن ، مع كافة التيارات وألوان الطيف السياسي ، وإن كان في هذا الأخير نسمع عن لجنة الحوار التي شكلها الحزب الحاكم ، فنفرح ونستبشر ، ثم لا تكاد حتى تنام نومة أصحاب الكهف ، ولا تسيقظ إلا على بعض الفرقعات ، ثم تعود للنوم ثانية ، وهكذا ، وأملنا في تصحيح مسارها ، وأملنا في تعزيز جديّتها
.
كما أننا نتطلع إلى أن تتحول الحوارات في بعض دول الجزيرة والخليج إلى برامج عملية تترجم هذا الحوار إلى مشاريع ملموسة ومحسوسة ، ليخرج الحوار من الشكل إلى المضمون ، ومن الشعار إلى الممارسة
.
أخيراً هذه مقدمات أبجدية بين يدي موضوع الحوار الإسلامي العلماني ، أختمه بسؤال – للقارئ الكريم - يفرض نفسه ، وهو: أي التيارات الإسلامية والعلمانية لديها قدر أكبر ، وآفاق أوسع وأرحب في إطار الحوار الإسلامي العلماني؟ ، لعل قراءة متأنية لهذه الدراسة التي حاول فيها الكاتب جاهداً قراءة المشهد الإسلامي والعلماني ، قراءة مجردة ، بقدر طاقته ووسعه ، تجعل الإجابة سهلة وميسورة ، على أنه جهد قابل أيضا للنقد والتصويب ، ومن الذي ما ساء قط ومن الذي له الحسنى فقط
.
والله تعالى من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل ،،