العلامة ابن جبرين
بقلم/ عبد المقصود خضر
نشر منذ: 15 سنة و 5 أشهر و 13 يوماً
الثلاثاء 14 يوليو-تموز 2009 08:15 ص
 
شيخٌ في الثمانين من العمر, تُدَاعِبُ همَّتُه ونشاطُه مخيِّلَةَ أبناء العشرين.. مفخرةٌ من مفاخر علماء السنة, وعالمٌ من أكابر علماء الزمن الحاضر.. قصاصةٌ من كلامه أو خطبةٌ منه تَقْلِبُ الدنيا ظهرًا على عقب, وتَتَلَقَّفُهَا القنوات الإخبارية مباشرةً, وتسعى الصحافة لإبرازها والحديثِ عنها؛ فالمتحدث هو العالم الجليل وبطل الرياض العظيم الشيخ الدكتور عبد الله بن جبرين. 

كل مَنْ جَالَسَهُ عرف أنه عالمٌ وداعيةٌ زاهدٌ.. عربيٌّ غيرُ مُسْتَعْجِمٍ.. حَضَرِيٌّ غيرُ خاضعٍ لذلِّ الحضارة.. رجلٌ يحمل همَّ أمَّةٍ، بلغَ من العلوم أعلاهَا.. بَرَعَ في العلوم حتى أُعجِبَ به من رآه وسمِعَه, وبرع في التعليم حتى أَتْعَبَ مَنْ بعدَه.

وهو عبد الله بنُ عبد الرحمن بنِ عبد الله بن إبراهيم بن فهد بن حمد بن جبرين، من قبيلة مشهورة بنجد. كان أصل وطنهم مدينة شقراء، ثم نزح بعضهم إلى بلدة القويعية في قلب نجد وتملكوا هناك.

ولد الشيخ ابن جبرين سنة 1352هـ في إحدى قرى القويعية، ونشأ في بلدة الرين، وابتدأ بالتعلُّم في عام 1359هـ، وحيث لم يكن هناك مَدَارِسُ مستمرةٌ تَأَخَّرَ في إكمال الدراسة، ولكنه أتقن القرآن وَسِنُّهُ اثنا عشر عامًا، وتعلَّم الكتابة وقواعدَ الإملاء البدائية، ثم ابتدأ في الحفظ وأكمله في عام 1367هـ، وكان قد قرأ قبل ذلك في مبادئ العلوم؛ ففي النحو على أبيه قرأ أوَّل "الآجُرُّومِيَّة"، وكذا متن "الرَّحَبِيَّة" في الفرائض وفي الحديث "الأربعون النَّوَوِيَّة" حفظًا، و"عُمْدَةُ الأَحْكَام" بحفظ بعضها.

وبعد أن أكمل حفظ القرآن ابتدأ في القراءة على شيخه الثاني بعد أبيه، وهو الشيخ عبد العزيز بن محمد الشثري، المعروف بأبي حبيب. وكان جُلُّ القراءةِ عليه في كُتُبِ الحديث، ابتداءً بصحيح مسلم، ثم بصحيح البخاري، ثم مختصر سنن أبى داود، وبعض سنن الترمذي مع شرحه "تُحْفَةُ الأَحْوَذِي" .

وقرأ "سُبُلُ السَّلَامِ شَرْحُ بُلُوغُ الْمَرَامِ" كلَّهُ، وقرأ شرح ابن رجب على الأربعين المسمى "جَامِعُ العُلُومِ والْحِكَمِ فِي شَرْحِ خَمْسِينَ حَدِيثًا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ"، وقرأ بعض "نَيْلُ الْأَوْطَارِ عَلَى مُنْتَقَى الْأَخْبَارِ"، وقرأ تفسيرَ ابن جَرِيرٍ، وهو مليء بالأحاديث المُسْنَدَةِ والآثار المَوْصُولَةِ، وكذا تفسيرَ ابنِ كثيرٍ، وقرأ كتاب "التَّوْحِيدُ الَّذِي هُوَ حَقُّ اللهِ عَلَى الْعَبِيدِ"، وأتقن حِفْظَ أحاديثِهِ وآثاره وأدلته، وقرأ بعض شروحه، وقرأ في الفقه الحنبلي "مَتْنُ الزَّادِ" حفظًا، وقرأ معظم شرحِه.

وكذا قرأ في كتب أخرى في الأدب والتأريخ والتراجم. واستمرَّ إلى أول عامِ أربعٍ وسبعين، حيث انتقل مع شيخه "أبي حبيب" إلى الرياض، وانتظم طالبًا في معهد "إمام الدعوة العلمي" فدَرَسَ فيه القسمَ الثانوي في أربع سنوات، وحصل على الشهادة الثانوية عام 1377هـ، وكان ترتيبُه الثانيَ بين الطلاب الناجحين البالغ عددهم أربعة عشر طالبًا، ثم انتظم في القسم العالي في المعهد المذكور، ومدته أربع سنوات، ومُنح الشهادة الجامعية عام 1381هـ وكان ترتيبه الأول بين الطلاب الناجحين البالغ عددهم أحد عشر طالبًا، وعُدلت هذه الشهادة بكلية الشريعة.

وفي عام 1388هـ انتظم في معهد القضاء العالي، ودَرَسَ فيه ثلاث سنوات، ومُنح شهادة الماجستير عام 1390هـ بتقدير جيد جدًّا، وبعد عشر سنين سجَّلَ في كلية الشريعة بالرياض للدكتوراه، وحصل على الشهادة في عام 1407هـ بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، وأثناء هذه المدة وقبلها كان يقرأ على أكابر العلماء، ويحضر حلقاتهم ويناقشهم ويسأل ويستفيد من زملائه ومن مشائخهم في المذاكرة والمجالس العادية والبحوث العلمية والرحلات والاجتماعات المعتادة التي لا تخلو من فائدة أو بحث في دليل وتصحيح قول ونحوه.

تزوج بابنة عمه الشقيق رحمها الله، وذلك في آخر عام 1370هـ التي توفيت عام 1414هـ ، بعد أن رُزِقَ منها باثني عشر مولودًا من الذكور والإناث، مات بعضهم في الصغر، والموجود ثلاثة ذكور وست إناث، وقد تزوج جميعُهم، وَوُلِدَ لأغلبهم أولاد من البنات والبنين.

وتتلمذ الشيخ على يد العديد من المشايخ كان أوَّلَهُم والدُه رحمه الله تعالى، فقد بدأ بتعليمه القراءة والكتابة في عام 59 هـ، وكان رحمه الله قد تُوفي سنة 1397هـ. ومن أكبر المشايخ الذين تأثَّر بهم شيخه الكبير عبد العزيز بن محمد أبو حبيب الشثري الذي قرأ عليه أكثرَ الأمَّهَات في الحديث وفي التفسير والتوحيد والعقيدة والفقه والأدب والنحو والفرائض، وحفظ عليه الكثيرَ من المتون، وتلقَّى عنه شَرْحَهَا والتعليقَ على الشروح.

وتقلد الشيخ العديد من المناصب والأعمال، أولها عندما بُعث مع هيئة الدعاة إلى الحدود الشمالية للملكة أول عام 1380هـ بأمر الملك سعود، وإشارة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ورئاسة الشيخ عبد العزيز الشثري رحمهم الله تعالى مع بعض المشائخ ولمدة أربعة أشهر ابتداءً، ثم تَعَيَّنَ مُدَرِّسًا في معهد إمام الدعوة في شعبان عام 1381هـ إلى عام 1395هـ ، وفي عام 1395هـ انتقل إلى كلية الشريعة بالرياض، وتولى تدريس التوحيد للسنَة الأولى، وهو "مَتْن التَّدْمُرِيَّة" وكتب عليه تعليقات كفهرس للمواضيع وعنوان للبحوث، وكذا درس أول شرح "الطَّحَاوِيَّة".

ثم في عام 1402هـ انتقل إلى رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد باسم عضو إفتاء، وتولَّى الفتاوى الشفهية والهاتفية والكتابةَ على بعض الفتاوى السريعة وقِسْمَةَ المسائل الْفَرْضِيَّة وبحْثَ فتاوى اللجنة الدائمة التي يناسب نشرها وقراءةَ البحوث المقدَّمَة للمجلة فيما يصلح للنشر وما لا يصلح.

أما الأعمال الأخرى فقد تَعَيَّنَ إمامًا في مسجد آل حماد بالرياض في شهر شوال عام 1389هـ حتى هُدم المسجد وهُدم الحي كلُّه في عام 1397هـ وبعد عامين عُيِّنَ خطيبًا احتياطًا يتولى الخطبة عند الحاجة وتولى صلاة العيد في بعض المناسبات.

وقام أيضًا متبرِّعًا بالتدريس في المساجد ابتداءً بدرس الفرائض في عام 1387هـ لعدد قليل ثم بتدريس "التَّوْحِيد" و"الْأُصُولُ الثَّلَاثَة" و"كَشْفُ الشُّبُهَات" و"الْعَقِيدَةُ الْوَاسِطِيَّة" ونحوِها لعددٍ كثير في مسجد "آل حماد" في آخر عام 1389هـ، وغير ذلك كثير.

وللشيخ العديد من المؤلفات، أولها البحثُ المقدَّم لنيل درجة الماجستير في عام 1390هـ "أَخْبَارُ الْآحَادِ فِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ"، وقد حصل على درجة الامتياز رغم أنه كتبه في مدة قصيرة ولم تتوفر لديه المَراجع المطلوبة وقد طُبع عام 1408هـ.

وفي عام 1391هـ قام بتدريس متن "لُمْعَةِ الِاعْتِقَاد" لابن قُدَامَةَ لطلاب معهد "إمام الدعوة العلمي"، وكتب عليها أسئلة وأجوبة مختصرة تتلاءم مع مقدرة أولئك الطلاب في المرحلة المتوسطة، ومع ذلك فإنها مفيدة، لذلك رغب بعض الشباب القيامَ بطبعها فطُبعت بعنوان (التعليقاتُ على متن اللُّمْعَة) عام 1412هـ، وقام فيها الشيخ بتخريج الأحاديث التي استشهد بها ابن قدامة تخريجًا متوسطًا حسبَ مدارك التلاميذ، وفي عام 1399هـ سجَّل في كلية الشريعة لدرجة الدكتوراه واختار "تحقيق شرح الزَّرْكَشِي على مختصر الْخَرَقِي"، وهو أشهر شروحه التي تبلغ الثلاثمائة بعد "الْمُغْنِي" لابن قدامة، ونوقشت الرسالة كما تقدم، ثم كمل تحقيق الكتاب وطبع ووزع في سبعة مجلدات كبار.

 

وقد اعتنى في هذا الشرح بتخريج الأحاديث والآثار الكثيرة التي يوردها الشارح، وقام بترقيمها، فبلغ عددها كما في آخر المجلد السابع 3936 ، وإن كان فيه بعض التكرار القليل، وقد بذل جهدًا في هذا التخريج بمراجعة الأمهات وكتب الأسانيد التي تيسر له الرجوع إليها، وهي أغلب المطبوعات.

 

وقد يسر الله في زماننا هذا طَبْعَ هذه الكتب وفهرستها وتقريبها، بحيث تخِفُّ المؤنة ويَسْهُلَ تناوُل الكتاب ومعرفة مواضع البحوث بدون تكلفة والحمد لله، هذا وقد كان ألقى عدة محاضرات في مواضيع متعددة وتم تسجيلها في أشرطة، ثم إنَّ بعض التلاميذ اهتمَّ بنسخها وإعدادها للطبع، وقد تم طبع رسالتين: الأولى بعنوان (الإسلام بين الإفراط والتفريط) في 59 صفحة والثانية بعنوان (طلب العلم وفضل العلماء) في 51 صفحة، وكلاهما طُبع عام 1313هـ ، أما التسجيل فإن التلاميذ قد أَوْلَوْهُ عنايةً شديدةً؛ وذلك بتَتَبُّعِ الدروس والمحاضرات وتسجيلِها في أشرطة ثم الاحتفاظ بها، ومن ثم نسخ ما تيسر منها للتداول وللطبع. وقد سُجِّل شرح "زَادُ المُسْتَقنِع" وشرح "بُلُوغُ الْمَرَام" وشرح "الْوَرَقَات" في الأصول وشرح "الْبَيْقُونِيَّة" في المصطلح وشرح "مَنَارُ السَّبِيل" في الفقه وشرح "التِّرْمِذِي" و"ثَلَاثَةُ الْأُصُول" و"مَتْنُ التَّدْمُرِيَّة"، وغيرُها كثير. ويُباع كثير من الأشرطة في التسجيلات الإسلامية في الرياض وغيرها. وقد فُرِّغَ كثير منها وطُبع بعناوين متعددة تتعلق بالصيام والحج والصلاة والزكاة وغيرها.

 

أما الكتابات السريعة فكثيرة، فإن هناك العديد من الطلاب كانوا يحرصون على تحصيل جواب مسألة أو فتوى في مشكلة ويرفعونها إليه وبعد كتابة الجواب وتوقيعه ينشرونه في المساجد والمكاتب والمدارس، فيُتداول ويحصل له تقبُّل وفائدة محسوسة؛ لثقتهم بالكاتب. كما أن الكثيرين من الشباب الذين أُعْطُوا موهبةً في العلم إذا كتب أحدهم رسالة أو كتيِّبًا رغب أن يكتبَ له الشيخ مقدِّمةً أو تقريظًا، فيصرح باسمه في عنوان الرسالة، ويكون ذلك أَدْعَى لِرَوَجَانِهِ والإقبال عليه والاستفادة. وهناك من العلماء من يساهم في بثِّ تلك النشرات التي لها مَسِيسٌ ببعض الأوقات كالمخالفات في الصلاة وأحوال الاقتداء بالإمام والمخالفات في الصيام وفي الحج وأعمال عشر ذي الحجة والمقال في التيمُّم ومتى يرخَّصُ فيه ونحوِها، فتُطبع في مواسمها ويوزع منها ألوف كثيرة رجاءَ الانتفاعِ بها.