مكافئة للاعبي المنتخب اليمني وهذا ما قاله المدرب بعد الفوز على البحرين تعديل في موعد مباراة نهائي كأس الخليج في الكويت إضراب شامل في تعز احتجاجًا على تأخر صرف المرتبات ارتفاع ضحايا حادث تحطم الطائرة المنكوبة في كوريا إلى 127 قتيلا دولة عربية تسجل أكبر اكتشاف للغاز في عام 2024 الكويت تعلن سحب الجنسية من 2087 امرأة إنستغرام تختبر خاصية مهمة طال انتظارها حملة تجسس صينية ضخمة.. اختراق شركة اتصالات أمريكية تاسعة اشتعال الموجهات من جديد في جبهة حجر بالضالع ومصرع قيادي بارز للمليشيات الكشف عن إستراتيجية جديدة وضربات اوسع ضد الحوثيين
وكأني بالرئيس مبارك وقد خرج من "تربته"، فوجد هذا "المولد" المنصوب له، و"حلقة الذكر" التي توشك أن تجعل منه زعيماً وطنياً، وقائداً عظيما، ووليا من أولياء الله الصالحين، لا ينقصه إلا أن يشيد له ضريح، ويتم الحديث عن كراماته، وكيف أنه كان يمشي على الماء ويطير في الهواء.. تُرى ماذا سيقول؟!
لا أظن أن الرجل الذي حكم مصر ثلاثين سنة بالصدفة، سيكترث بشيء من هذا، وإذا دفع للاكتراث فسوف يستنكر على المحتفلين ما يفعلون، فلم تكن الذكرى الطيبة ما تشغله في حياته، ولم تكن السيرة الحسنة مطروحة على جدول أعماله، فهو مثال للإنسان غير المكترث، وغير المشغول بشيء من هذا، وقد عبر صراحة عن ذلك في حياته!
في معرض الكتاب:
في حياة مبارك كان هناك تقليد متبع في كل عام بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث يفتتح الرئيس المعرض، ثم يلتقي بالمثقفين (وهو الأمر الذي لم يفعله السيسي أبداً منذ أن استولى على الحكم).
كان اللقاء يتم على الهواء مباشرة، قبل وقوع الرئيس في أخطاء لحرصه على أن يبدو تلقائياً، فيرتكب كوارث، لم يكن أقلها الإيحاءات غير الأخلاقية والخادشة للحياء لواحدة من الحاضرين، وبشكل لا يقصده، فانخرطت في البكاء بعد أن ظنت أنه يقصد ما قال، وسط ضحكات صفراء من المثقفين من باب المجاملة، وعليه تقرر أن يكون اللقاء مسجلاً!
ولعل الدكتور حسن حنفي هو الذي وقف ذات لقاء في المعرض، فتحدث حديثاً رصينا لا يتحمله الذكاء المحدود للرجل، وكان عن تطوير التعليم، فكان الرد لا يتفق مع هذه الرصانة: "تعليم ايه.. وتطوير ايه.. قلنا لكم طوروا.. ما طورتوش.. فطورنا احنا". فعاد الرجل ليقول: تستطيع أن يذكرك التاريخ.. وقبل أن يكمل عبارته كان الرد كاشفاً عن حقيقة مبارك، وطريقة تفكيره: لا أريد أن يذكرني التاريخ ولا الجغرافيا. قالها بطبيعة الحال باللهجة العامية "بلا تاريخ بلا جغرافيا". وليس هذا هو الموضوع، فالحقيقة أنه عبر عن نفسه، أبلغ ما يكون التعبير.
إنه الرجل الذي لا يهتم بأن يذكره التاريخ، فهو لم ينظر لمنصبه إلا على أنه وظيفة. وكنت أقول دائماً إنه رئيس معين من قبل وزارة القوى العاملة، التي كانت مختصة لفترة طويلة من الزمن بتعيين الخريجين، لنعرف بسبب ذلك ظاهرة البطالة المقنعة. فكثيرا ما كان يتم التعيين بعيداً عن الاختصاص، فيعين خريج قسم الفلسفة مدرس رسم، ويعين مدرسا للألعاب خريج في كلية الهندسة، وهكذا. ومن الواضح أن الوزارة وجدت وظيفة الرئيس شاغرة فعينت فيها الفريق أول طيار محمد حسني مبارك!
استدعاء السادات:
ولم يكن يُنظر اليه على أنه يمتلك أي موهبة لشغل هذه الوظيفة، فغاية ما كان يطمع فيه عندما استدعته الرئاسة في عهد السادات أن يكون سفيراً، وهو ما قاله في مقابلة تلفزيونية سنة 2004. وقد قال مرة إنه ظن أن الرئيس استدعاه لشغل وظيفة رئيس حي مصر الجديدة (قال هذا عندما كان نائباً للرئيس). وقد تطور الأمر في بداية توليه مهام وظيفته رئيسا للبلاد، وأنه كان يعتقد أن الرئيس استدعاه لتعيينه رئيسا لشركة مصر للطيران!
المقربون من دائرة حكم السادات في هذه الفترة كانوا يعلمون أن مبارك أداة للتسلية، ومنصة لإطلاق النكات عليه، لا سيما من صديق السادات المقرب والمصاحب له في الحل والترحال، عثمان أحمد عثمان. والسادات كان يدرك أن اختياره لا يفقه شيئا في السياسة، وقد عهد به لأسامة الباز ليهيئ له من أمره رشدا.
ولأن الحظ يبدو غالباً متحالفاً مع الأشخاص الذين يقفون على الهامش، بدون طموح في عالم السياسة، فقد تحقق لمبارك ما يفوق أكثر أحلامه جنونا وصار رئيساً باغتيال السادات، فمارس عمله على أنه وظيفة. ورغم أن الله نفخ في صورته حتى حكم ثلاثين عاماً، وكان طريق توريث الحكم لنجله يبدو مفروشاً بالورود، فإنه حرص على التصرف كموظف قد ينتهي عمله، فيجد نفسه مضطراً للعودة إلى شقته القديمة، فظل محافظاً على شقة الزوجية التي جمعته بقرينته، يدفع إيجارها كل شهر، ويحرص على وجود ما يفيد هذا، وكان المدفوع ملاليم. وبعد الثورة، وجد صاحب العقار أنه أمام فرصة تاريخية، فاستولى عليها، لكنها عادت للمؤجر مرة أخرى بعد الانقلاب العسكري!
وبدا مبارك فاقداً للطموح شأن أي موظف حكومي وصل إلى الوظيفة الأعلى في المصلحة، فكان كل طموحه يتجلى في استمراره في السلطة، بعيداً عن "وجع الدماغ". فلم يكن مشغولا بأن يقوم بدور "الزعيم"، ولو من باب التمثيل، ولم يحكم في البداية، فقد كان الحاكم هو نائب رئيس الوزراء خالد محيي الدين قبل أن يتنازل له عن رئاسة الحكومة، إلى أن مات محيي الدين، فحكم مبارك وفق نظرية الاستقرار المميت، فاستمر وزراء بعينهم لفترات طويلة، بدون مبرر منطقي. وكانت التغييرات الوزارية لسنوات طويلة من حكمه أقرب إلى حركة التنقلات، فوزير التنمية الإدارية يصبح وزيرا لقطاع الأعمال ثم رئيسا للحكومة، ووزير الداخلية يصبح وزيراً للإدارة المحلية. وورث وزراء من عهد السادات استمروا في مواقعهم لربع قرن من الزمان!
وعندما شعر بملل الناس من الوجوه القديمة، جاء بمديري مكاتب الوزراء فعينهم وزراء، فلم يكن مستعداً لاختيارات جماهيرية. وكانت هناك استثناءات تخالف هذه القاعدة، مثل تعيين عمرو موسي وزيراً للخارجية، والذي كان أداؤه مختلفاً، فعزله بعد أغنية فنان شعبي يعلن فيها أنه يحب عمرو موسى ويكره إسرائيل!
دولاب الحكم:
كان دولاب عمل الدولة يشبه دولاب أي مصلحة حكومية، تسير الأمور بشكل روتيني لا سيما في سنوات حكمه الأخيرة، فالحاكم الحقيقي هو نجله والسيدة حرمه، وأداة الحكم فيها هي وزارة الداخلية، والعقل المخطط للحزب وشؤونه هو أحمد عز، وهي مهام كان يقوم بها آخرون في فترة الحكم الأولى، بينما هو يجلس في "مصيف دائم" يشاهد التلفزيون، ويهدر وقته في برامج التسلية.
وقد ظل مبارك يحكم كموظف حكومي كبير، يهمه الاستمرار في منصبه، وتهمه صورته الذهنية عند الناس، كرجل قوي وعنيد ولا يخضع لابتزاز أحد من الشعب، فإذا كتبت صحيفة عن تعديل وزاري يتراجع في القرار، وإذا نشر عن شخص تم اختياره وزيراً تراجع عن ذلك. وعلى سبيل المثال، ظل الدكتور أحمد عمر هاشم يتم ترشيحه لمنصب وزير الأوقاف، ومع كل تعديل وزاري يجلس بجانب التلفون وهو يرتدي ملابس حلف اليمين، فكان يتم التراجع في كل مرة، لا لشيء إلا لأنه اختيار متوقع، فيستبعد مع أنه محسوب على السلطة، ومرشحها في الانتخابات البرلمانية ولرئاسة جامعة الأزهر بعد ذلك!
وكانت أزمته أنه مارس "العناد" مع الثورة، ولم يعلم أنه لم يراع فروق التوقيت، وكان ظهوره في المحكمة وهو مستلق على سريره بشكل مهين، كاشفاً عن الجانب غير المرئي في شخصيته. لقد تقاعد بعد العمل، ولم يعد مشغولا بصورته، أو بدخوله التاريخ أو خروجه منه، ومع ذلك ففي حلقة الذكر المنصوبة تم تصويره على أنه الزعيم البطل، والولي الفقيه الذي دخل التاريخ من أوسع من هذا، مع أنه ليس مشغولا بذلك حيا، أو ميتاً.
بلا تاريخ بلا جغرافيا!