التسهيلات العسكرية كبديل جاهز لورقة الإرهاب
بقلم/ عادل امين
نشر منذ: 15 سنة و 7 أشهر و 19 يوماً
الإثنين 16 مارس - آذار 2009 04:13 م

بخلاف زياراته السابقة لروسيا، هذه المرة حملت زيارة الرئيس صالح صفقة عسكرية ضخمة ومزايا مغرية لحث الدب الروسي وتحريضه على العودة إلى المنطقة، وفي الحقيقة الحكومة اليمنية تحاول مساعدته في فتح الأبواب كي يمر إلى حيث كان يؤمل دائماً أن يكون، الصفقة اليمنية جعلت الأبواب مشرعة أمامه والفرصة متاحة بأكثر مما يحلم به، وما لم يبادر إلى اغتنامها فسيعد ذلك كأسوأ قرار يجري اتخاذه عقب سقوط الإتحاد السوفيتي سابقاً، ضخامة الصفقة العسكرية المعروضة(2.5 مليار دولار لشراء أسلحة متطورة، 4 مليار دولارلإعادة تحديث وتطوير بنية الجيش اليمني) والمطعمة بتسهيلات عسكرية من العيار الثقيل تشي بذلك الاستنتاج، أو هكذا يُراد للروس أن يفهموا.

اليمن ألقى بملف الجيش اليمني كاملاً بين يدي الروس جاعلاً منه بوابة عبور لهم لمزاحمة الأمريكان في المنطقة، مقابل مساعدتهم في إعادة صياغة وبناء قواته المسلحة بما يواكب المستجدات والتطورات الأمنية والعسكرية التي طرأت على الساحة المحلية ومحيطها الإقليمي.

على أن ثمة عوامل وظروف داخلية وخارجية لعبت دوراً أساسياً في توجيه حركة الجانب اليمني والدفع بها شرقاً، في محاولة بدت وكأن اليمن يبحث عن حاضنة، أو أنه يحاول الاستعانة بعصا غليظة للتلويح بها في وجوه البعض، لربما اعتقد النظام اليمني أن بمقدوره الإحتماء بتلك العصا، أو هزها لإخافة أولئك البعض، أو على الأقل التلويح بها وتعليقها على عتبة البيت اليمني كأجراء احتياطي لردع أولئك الطامحين ممن يظنون أن من حقهم التجوال في البيت اليمني وأن يسرحوا فيه ويمرحوا كما يشاءوا.

سقوط ورقة الإرهاب

لفترات طويلة أجادت الحكومة اليمنية اللعب بورقة الإرهاب مع شركائها الدوليين والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وبالرغم من إحرازها بعض النجاحات في هذا الجانب إلاّ أن شركائها باتوا على دراية بطبيعة تلك اللعبة وكذا الورقة الأمنية التي غالباً ما يجري تسخينها وإثارتها بشكل مدروس في أوقات معينة بقصد تحقيق أهداف خاصة، ولأن حلفاء اليمن وشركائها في الحرب على الإرهاب متمرسون في هذه اللعبة جيداً ومحترفون لها، لم تعد تنطلي عليهم تلك الأساليب، ولم يعد بالإمكان الاستمرار في خداعهم طوال الوقت، وبعبارة أخرى فإن ورقة الإرهاب فقدت- مع المدى- جاذبيتها وإغرائها بالنسبة لهم حينما تحولت إلى مجرد لعبة وأداة ابتزاز، وغدت ورقة ضغط بأيديهم أكثر مما هي بأيدي النظام، فيما يصر هذا الأخير على اللعب بها بالرغم من تحولها إلى كرت محروق منتهي الصلاحية!!

جميع المؤشرات توحي بأن ورقة الإرهاب أخفقت في ترويض الأمريكيين وابتزازهم كوظيفة أساسية لها، وعلى هذا الأساس جرى فرملتها في الآونة الأخيرة بعدما كانت بلغت ذروة تصعيدها نهاية يناير المنصرم بتشكيل قيادة جديدة لجماعات العنف المسلح في اليمن، وما حدث في الواقع أن عملية تهييج وإثارة ورقة الإرهاب على ذلك النحو ضاعفت من شكوك الأمريكان تجاه الأمر برمته، ونحت بشكوكهم صوب النظام نفسه، إذ تم وضعه في دائرة الشك المثير للتساؤل، والسبب أن جرعات التصعيد والإثارة في ملف الإرهاب زادت عن حدها إلى درجة بعثت على السخرية والرثاء أحياناً، وفي الآونة الأخير حدثت بعض الوقائع، وتكشفت بعض المعلومات التي لاشك أنها عززت من الشكوك الأمريكية تجاه ملف الإرهاب في اليمن، وأظهرت النظام بصورة المتحالف مع الإرهاب بعكس ما كان يؤمل، من ذلك على سبيل المثال:

- معلومات تم الكشف عنها مؤخراً حول عملية الهجوم الأخيرة على السفارة الأمريكية بصنعاء في 17 سبتمبر الماضي 2008م، - إطلاق مئات المعتقلين من المشتبه بانتمائهم للجماعات المتطرفة من سجون الأمن السياسي بصورة مفاجأة، وفي ظروف حرجة كانت تحتم على الأقل تأجيل مثل هذه الخطوة، أو تدع القضاء ليقول كلمته، وكانت مصادر صحفية كشفت أن لجنة وساطة بزعامة قيادي جهادي سابق عضو في اللجنة الدائمة للحزب الحاكم نجحت في إبرام هدنة مؤقتة لمدة عام بين السلطات وقيادة تنظيم القاعدة في اليمن تقضي بوقف كافة عمليات التنظيم القتالية في اليمن مقابل الإفراج عن عناصر التنظيم(صحيفة الغد العدد94، 2/3/2009م)

- لقاء أركان النظام مؤخراً بجماعات العنف المسلحة في بعض المحافظات الجنوبية، وإحياء العلاقة معها من جديد، والتنسيق معها، ومنحها تسهيلات كبيرة، وإتاحة الفرصة أمامها لمعاودة نشاطها، وبناء تشكيلاتها، وترتيب صفوفها وتسوية أوضاعها، وفتح معسكرات التدريب لعناصرها بغرض تحقيق أهداف مرتبطة بالسلطة.

والخلاصة أن مثل تلك الأعمال المشبوهة، بالإضافة إلى تعاظم علاقة السلطة بالجماعات الإرهابية، قدمت النظام بصورة غير مقنعة لشركائه، وبرهنت على عدم جديته في الحرب على الإرهاب، بل ووضعته في دائر شكوكهم وتساؤلاتهم، ما حدا بمسئولي الاستخبارات الأمريكية إلى اتهام الحكومة اليمنية علانية بالتحالف مع تنظيمات إرهابية، وبأن اليمن صار يمثل خطراً على جيرانه باعتباره أصبح ملاذاً للجماعات الإرهابية المسلحة، وصار الأمريكيون يعلنوها صراحة بأن اليمن حليف لا يمكن الوثوق به في الحرب على الإرهاب.

في السياق ذاته من غير المستبعد أن تكون قصة التحاق المدعو محمد العوفي(سعودي الجنسية)بقيادة القاعدة في اليمن، وتسنمه منصب المسئول الميداني للعمليات العسكرية للتنظيم، وإعلانه بعد اقل من شهرين عن استسلامه للسلطات السعودية التي سارعت إلى استلامه من أجهزة الأمن اليمنية، هي عملية استخباراتية بحته تم التنسيق لها بين أجهزة استخبارات خارج اليمن، أو أن الرجل جندته الاستخبارات الأمريكية في وقت سابق في معتقل جوانتانامو بهدف اختراق الجماعات المتطرفة في اليمن ومعرفة قياداتها ومخططاتها وأماكن تواجدها ومصادر قوتها وشبكة علاقاتها، والأهم من كل ذلك معرفة من يقف ورائها ويمولها ويوجه ضرباتها.

ومن المؤكد أن عملية استسلام العوفي على ذلك النحو المثير للاستغراب ستكشف لاحقاً عن معلومات مهمة حول طبيعة العنف المسلح في اليمن وقاعدة تحالفاته، ومصادر تمويله، وحقيقة ارتباطاته الداخلية والخارجية، وهي معلومات من غير المرجح أن تساعد في تحسين وجه النظام بالنظر إلى حاجة الأمريكيين لمزيد من التفاصيل والأدلة حول تلك العلاقة المشبوهة التي ما تزال تجمع بعض أركان السلطة بجماعات العنف في اليمن.

وما نريد أن نخلص إليه من عرضنا السابق هو أن ورقة الإرهاب فشلت في ترويض أو انتزاع مكاسب حقيقية ومواقف تأييد من شركاء النظام في الحرب على الإرهاب سواءً الأوروبيين أو الأمريكيين، بدليل رفض هؤلاء لتلك الخطوات التي قام بها الحزب الحاكم من طرف واحد للتهيئة والتحضير للانتخابات البرلمانية المقبلة بمعزل عن التوافق مع أحزاب المعارضة(المشترك)، إذ كان يؤمل أن يحصل منهم على الضوء الأخضر للمضي منفرداً على طريق الانتخابات بصرف النظر شارك فيها المشترك أو لم يشارك، ولبلوغ تلك الغاية جرى تهيئة الملعب بطريقة مغايرة، وتم الرمي بورقة الإرهاب في محاولة لخلط الأوراق وإرباك الساحة اليمنية، والعمل على استقطاب اهتمام شركاء الخارج لتستحيل تلك الورقة من ثم إلى أولوية في قائمة اهتماماتهم الأمنية على حساب اهتماماتهم السياسية، لقد كان الهدف الأهم في عملية تسخين ورقة الإرهاب على ذلك النحو المثير للاهتمام تحويلها إلى أجندة عمل رئيسة في برنامج حلفاء النظام في اليمن وعلى رأسهم الحليف الأمريكي، وتنحية برنامج الإصلاحات السياسية والديمقراطية جانباً، غير أن المُخَطط أخفق في الوصول إلى هدفه بسبب أنه لم يكن مقنعاً بما فيه الكفاية، ولأن معلومات وفيرة باتت في حوزة شركاء النظام تمكنهم من فهم ذلك المخطط بوضوح، وما زاد من حنق النظام إعلان هؤلاء رفضهم المشاركة في عملية الرقابة على الانتخابات فيما لو قاطعها اللقاء المشترك، وهو ما يعني بداهة نزع غطاء المشروعية الدولية عنها.

في الوقت ذاته ألمح الأمريكيون إلى عدم شرعية اللجنة العليا للانتخابات وسجلات الناخبين المنبثقة عنها، وجاء ذلك من خلال التضمينات التي حملها تقرير المعهد الديمقراطي الأمريكي( NDI ) الذي وجه انتقادات حادة إلى عملية تسجيل الناخبين الأخيرة وما شابها من مخالفات وخروقات وصفها بالكبيرة، كتسجيل صغار السن واستغلال أفراد الجيش انتخابياً، ودعا المعهد الأمريكي إلى ضرورة إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات بناء على اتفاق بين المؤتمر والمشترك، وبالتأكيد فإن هذا الموقف لم يكن ليُرضي تطلعات نظام الرئيس صالح.

أضف إلى ذلك أن الرئيس كان قد تقدم بطلب زيارة رسمية لواشنطن منتصف الشهر الماضي، إلاّ أن طلبه قوبل بالرفض من جانب الأمريكيين، وهو ما أدى بالتأكيد إلى زيادة غضب الجانب اليمني وحنقه، بيد أن الأمريكيين لم يكتفوا بذلك، بل زادوا في استفزاز الحكومة اليمنية من خلال تقرير وزارة خارجيتهم(السنوي) عن حقوق الإنسان في العالم واليمن، حيث وجه التقرير انتقادات لاذعة لحكومة صنعاء، واتهمها بممارسة الفساد على نطاق واسع، وعقد صفقات سرية واختلاس أموال، كما اتهمها بارتكاب حالات قتل اعتباطية أو غير قانونية، وتحدث التقرير عن حالات قتل مدفوعة سياسياً من قبل الحكومة أو وكلائها، كما اعتبر الفساد مشكلة خطيرة في أجهزة الاستخبارات اليمنية، وتحدث عن عوائق تحد من قدرة المواطنين في اليمن على تغيير حكومتهم بسبب الفساد المستشري وسجلات الناخبين المزورة والضعف الادراي، واتهم السلطات بالإفراط في قمع المظاهرات العامة وكذا المظاهرات السياسية في المحافظات الجنوبية، وزيادة القيود على حرية التعبير والصحافة، ومحاولة السيطرة على الجمعيات المهنية من خلال التأثير على انتخاباتها الداخلية، ولذا فقد كان حجم الصفقة العسكرية مع الروس(6.5مليار دولار+ تسهيلات عسكرية) مؤشرعلى مقدار الغضب اليمني تجاه مواقف واشنطن والاتحاد الأوروبي، وحمل دلالة بإمكانية حدوث تحول استراتيجي في علاقات اليمن الخارجية.

الأزمة اليمنية مع حلفائها تبدت أيضاً في تأجيل اجتماع المانحين مع الحكومة اليمنية بسبب فشل الأخيرة في تنفيذ حزمة الإصلاحات التي انبثقت عن مؤتمر المانحين بلندن في نوفمر2006م، وإهمال التزاماتها في وثيقة أجندة الإصلاح الوطني، وتحقيقها نتائج ضعيفة وغير مشجعة في المجالات المرتبطة بإتباع أساليب الحكم الرشيد ومكافحة الفساد.

ورقة التسهيلات العسكرية

وبناء على ما تقدم يمكننا القول أن ورقة الإرهاب لم تعد بتلك الأهمية التي يمكن من خلالها الضغط على حلفاء النظام أو مساومتهم بها لإحراز مكاسب سياسية أو حتى اقتصادية، صحيح أن تلك الورقة ظلت لفترات طويلة كورقة \"جوكر\" بيد النظام لجذب الاهتمام الدولي باليمن، وضخ المساعدات الإقليمية والدولية نحوه، وإتاحة المجال أمامه للعب دور محوري في محيطه الإقليمي، يمكنه من تقديم نفسه خارجياً، ويتيح له الضغط على معارضيه داخلياً، لكن الإخفاقات المتوالية والضربات المتكررة التي مُني بها مشروع الإرهاب في اليمن، وتوجه حلفاء النظام في الخارج نحو تضييق دائرة الإرهاب أكثر فأكثر صوب مركز السلطة، كل ذلك لم يعد يشجع أو يغري بالاستمرار في هذا المشروع، ونتيجة لذلك فقد اقتضت الضرورة البحث عن مشروع جديد يكون أكثر إغراء للدول الكبرى الراغبة في دخول حلبة المنافسة في اليمن، والتي هي على استعداد لتقديم ضمانات لمساعدة النظام سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، والتعهد بتوفير مظلة حماية دولية له تحول دون تعرضه لأية مسائلة في المستقبل حول أي من القضايا التي ربما يفكر معارضوه بطرحها في المحافل الدولية.

وكان المشروع الجديد هو ورقة التسهيلات العسكرية التي أبدا النظام رغبته بتقديمها للروس والفرنسيين، على اعتبار أن هاتين الدولتين هما الأكثر استعداداً لمنافسة الأمريكيين ومزاحمتهم في أي مكان من العالم، بالإضافة إلى أنهما يمتلكان حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، وهو ما يمكن التعويل عليه عند الملمات.

أما الغطاء القانوني لدعوة هذه الدول إلى المنطقة(اليمن والقرن الإفريقي) فهو مكافحة أعمال القرصنة في خليج عدن وباب المندب، لكن ماذا سيقول الآن من روجوا لنظرية المؤامرة(من المحللين السياسيين والخبراء العسكريين وحتى بعض دول المنطقة) القائمة على فكرة وقوف الغرب- وتحديداً الولايات المتحدة- خلف أعمال القرصنة لخلق الذرائع التي تمكنهم من دخول المنطقة، والسيطرة عليها وتهديد أمنها، وممارسة الضغوط على دولها، وتركيع حكوماتها؟! هاهي حكوماتها تستدعي الأساطيل العسكرية من كل حدب وصوب، وتعرض خدماتها بأكثر مما هو مطلوب، وتحفزها للقدوم تحت إغراء التسهيلات والقواعد العسكرية!! فهل ستجيء الأساطيل العسكرية لمكافحة القراصنة أم لدعم الأنظمة في مواجهة مناوئيها لتكريس بقائها السياسي برغم فسادها وفشلها في إدارة شئون بلدانها؟!

فرص النجاح والفشل

يبقى أمر التسهيلات والقواعد العسكرية في نطاق لعبة الشد والجذب بين اليمن والولايات المتحدة، وبالتأكيد ترمي اليمن من خلال ذلك إلى إرسال بضعة رسائل صوب الحليف الأمريكي، وهي بذلك تحثه على إرسال إشارات إيجابية مطمئنة ومشجعه ، خاصة فيما يتصل بقضايا الإصلاحات السياسية والانتخابية والمساعدات الاقتصادية، وتشجيع دول الجوار على ضخ المزيد من الأموال في جانب التأهيل الاقتصادي، بما يساعد على فتح أبواب مجلس التعاون الخليجي مستقبلاً، والأهم من ذلك يريد النظام أن تغض الولايات المتحدة طرفها تجاه ما يجري من إعدادات وترتيبات لنقل السلطة وتهيئة الأوضاع المناسبة لها بالطريقة التي يراها النظام مناسبة، وهذا يتطلب أن تخفف الولايات المتحدة من تدخلاتها في الشأن اليمني وفي العملية الديمقراطية خصوصاً، وتدع النظام ليقوم بتمرير بعض شروطه في العملية الانتخابية، بما يمكنه من سحق المعارضة، والاحتفاظ بالسلطة لفترة أطول.

والسؤال المطروح، هل تنجح الحكومة اليمنية فيما ذهبت إليه؟ وهل يعود الحليف الأمريكي راضخاً للشروط والاملاءات اليمنية؟ وهل ينجح اليمن في توثيق علاقات إستراتيجية متينة مع الروس والفرنسيين بمنحهم بعض الجزر اليمنية ليشكل بذلك جدار واق يصد به الضغوط الأمريكية؟

الملاحظة المهمة هنا هي: أن ورقة الإرهاب حصرت الملعب- بدرجة أساسية- بين اليمن وواشنطن، وتمدد الملعب قليلاً ليشمل الجارة الكبرى، لكن اللاعب الكبير والمؤثر ظل على الدوام هو الولايات المتحدة.

لكن ورقة التسهيلات العسكرية ستعمل على إشراك لاعبين جدد كبار في ساحة المعلب الجديد، صحيح أن هؤلاء اللاعبين ليسو بحجم اللاعب الأمريكي، لكنهم لا يقلون عنه قوة، كما أنهم يمتلكون وسائلهم الخاصة في التأثير على الساحة الدولية، والأهم أنهم متحفزون لمنافسة القطب الأوحد كي يحدوا من استفراده بالنفوذ العالمي، هذا الأمر يجعل من اليمن ساحة صراع أكبر بين أقطاب النفوذ العالمي، ويبقيها بعيداً إلى حد ما عن ضغوط طرف بعينه، ويعطيها مجال أوسع من حرية اتخاذ القرار بمعزل عن تأثيرات مصالح هذا الطرف أو ذاك، وبعبارة أخرى، فقد تمدد الملعب أكثر وزاد عدد لاعبيه، ولم يعد بالإمكان لطرف بعينه أن يفرض شروطه في ظل وجود أكثر من شريك ومنافس في اللعبة.

وهكذا فإن ورقة التسهيلات العسكرية تمنح النظام مساحة حركة أكبر، وأفضلية اختيار بين العروض المقدمة، بالإضافة إلى أنها تتيح له فرص التملص من الالتزامات التي لاتروق له، فيما كانت ورقة الإرهاب محدودة الفرص في فرض الشروط و تحصيل المكاسب، بالنظر إلى محدودية الشركاء وكثرة أعباء الشراكة التي يمليها بالطبع شريك واحد قوي يمسك بيده معظم الأوراق.

لكن وبالرغم من توافر قدر لا بأس به من شروط النجاح بالنسبة للجانب اليمني في توظيف الموقع الاستراتيجي لليمن للحصول على مكاسب، أو الإفلات من ضغوط الأمريكيين، أو في المقابل ممارسة ضغوط عليهم فيما يتعلق بالشأن اليمني، إلاّ أننا لا نستطيع تجاوز حقائق الواقع التي تؤكد بأن مناطحة الولايات المتحدة من قبل دولة صغيرة كاليمن هو ضرب من الخيال، وأمر ربما تكون عواقبه وخيمة أو حتى كارثية، وبالطبع مازالت هذه الدولة تمتلك الكثير من أوراق اللعب بما يمكنها من ترويض شركائها بل وإذلالهم، وفيما يخص اليمن تمتلك واشنطن الأوراق التالية:

1- ورقة حقوق الإنسان

2- ورقة المانحين والمساعدات الدولية

3- ملف الإرهاب واستهداف السفارة الأمريكية بصنعاء

4- ملف القضية الجنوبية وإمكانية تحريض المعارضة في الخارج

5- ملف صعدة مع إمكانية فتح ملف الانتهاكات في الحرب

6- يمكن إعادة فتح ملف كول

7- ملف الإصلاحات السياسية والاقتصادية والانتخابية

8- ملف تهريب السلاح والاتجار فيه في منطقة القرن الإفريقي

9- ملف العضوية في مجلس التعاون الخليجي

كل تلك الأوراق والملفات تستطيع أمريكا اللعب من خلالها بسهولة مع الجانب اليمني لفرض ما تريد، والنظام يعلم ذلك جيداً، لذا من غير المرجح أن يتمادى في مناوراته، أو يستخف بقدرة حليفه، والنتيجة النهائية أنه ليس بالإمكان إخراج هذا اللاعب من دائرة الفعل والتأثير على الساحة اليمنية حتى في ظل وجود منافسين أقوياء له، وبالتالي فإن الجانب اليمني سيجد نفسه مضطراً لتقديم تنازلات حتى في ورقة التسهيلات التي يناور بها اليوم بعض الأطراف الدولية الأخرى، وسيضطر كذلك للعودة إلى ورقة الإرهاب لتأخير سقوطها النهائي ، إلى أن تصبح الأوراق الأخرى جاهزة للعمل، وقادرة على منحه مساحة مناورة أكبر.