|
كما فهمها ورواها "ماركيز" الحياة ليست ما يعيشه أحدنا، بل مايتذكره، وكيف يتذكره ليرويه، ومن هكذا منطلق لا ضير حين يستدعي شخص من ماضية مفردة ووضعها على المحك للقياس لن تدهشه نهاية، أو تستهويه بداية مؤلمة، وفي أية درب سلك لن يقاسي لحظة، أو يلقى نفسه صيداً لبنات آوى.
حين وعد "يهوذا" القساوسة برأس المسيح ماذا جنى؟ وعندما اقتفى "سراقة" نور الهدى أين اختفى؟ وكيف تعامل رسل السماء مع كيد الدُمى؟ نعرف هذا، فلماذا نرتاب ونتخلى عن آدميتنا، ونغفل عن تقدير التمايز بين الأشياء، ونعمم السوء، ونعيش بوجهين كعملة مزورة في مصرف القيم الشمعية، ونبالغ في تزويق القبح، ونسوق مبررات للتفسخ بلا دراية من أمرنا.
حين قال إيليا أبو ماضي "جئت لا أعلم من أين، ولكني أتيت" لم يكن لقيطاً دس في الحياة ليعيش مبتذلاً -كما يفسرها الأميون- فإنسانيته ليست محل شك،وشعوره بالحياة دفعته للسفر إلى الروح، وغيره كثيرون أنهكتهم الظنون، والتأويلات، لهذا يعيش المستنير لحظات يأس وبؤس دفعت بالبعض للانتحار، ولولا القهر والبطش لما تقاطعت الحياة مع الموت..
الشيء المناسب أن نعيش الحقيقة كاملة لا نصفها، ونخفي نصفها الآخر عن أعين الناس، وكأن ذلك على الله بخافٍ، ومن يعش ذلك التناقض يأت عليه الدور، فيخسر نفسه، واحترامه لذاته.. فما الداعي لذلك؟ علينا التحلي بالصدق، وننحاز للنور، فالليل زائل، وقبل ذلك يفترض بنا تحديد غاية ما وجدنا له، والتأسي من أولى الفضل، ونتعايش مع بعضنا على أسس متساوية كأسنان المشط،وإن واقعنا موبوء، وإيجاد ذلك ضرب من المستحيل.
أما أن نتحول إلى كائنات تافهة بلا معنى،ونسلك دروباً شتى من باب "الفهلوة"، نتصيد الفرص، ونهدر الوقت، والجهد في أمور دونية، فذلك قبح، وتكرارها حماقة، لسبب بسيط يطلق عليه علماء الألسن "السهل الممتنع" في أي منحى، فما يراه البعض هيناً فهو عند آخرين عظيم، فحريٌ بنا سلوك دروب النور، والتزود بوعي نافع، وفكر متجدد يبني ولا يهدم، ينفع ولا يضر، ولكل إنسان خياراته، وعلينا تفهم قناعاته بأمور دينه، ودنياه، لكي تتسع الأرض لمن عليها.
قد تضيق الصدور، وتتبلد العقول في لحظة معينة، ليس في الأمر حرج، ويصنف الفعل بمأخذ، أما أن يتكرر القهر، وتتسع رقعة الاستهتار، والاستلاب، فالدفاع عن النفس والعرض حق مشروع، والسكوت عن التمادي وضاعة، والرضا به نذالة، من تحلى بها فسد، ومن نبذها راح، واستراح، وتمسكي بخيار الدفاع عن الذات من بطش الأفراد والجماعات نابع من قناعتي بقوة الحق، وليس استقواء بحق القوة... لان هناك ما هو "أشد مضاضة من وقع الحسام المهند" !!.
في غياب الدولة تتعطل القوانين،وتعطل الشرائع،وتشوه مفاهيم الدين،فمن الطبيعي غياب القيم، وانحراف المعاني، وبالتقادم يتحول المجتمع إلى غابة-وشرع الغاب معروف- ومهما كنت سلميا تجبرك غريزة الدفاع عن الوجود استدعاء أظافرك، وأدواتك الجارحة، ومجتمعنا غابة، العيش فيها كإنسان متمدن يفقد معناه كل ثانية، وسيادة الجهل، وتفرعن الهمج كارثة نعيش تفاصيلها بشكل شبه يومي.
لا سبيل للخلاص مما نحن فيه -أينما كنا، غير التشبث بالقيم، والدفاع عنها/عنا من الجرذان، والبعوض، وتلقينهم أقسى الدروس، فكرامة الإنسان لا مساومة فيها، لأن الإنسان جوهر الوجود، وتضييق الخناق على حريته، وحشره في زاوية مُذلة، ووضعه في خانة الشك، وحرمانه من حقه بالحياة، يدفعه للانفجار، والانتقام ببشاعة، ولابن خلدون في هذا كلمة فصل، فيه يقول: "المغلوب يقلد الغالب للاعتقاد بكماله" .. فمن يحس بالآم المقهورين؟
طيف
يفيق ليبدأ ثانية في الضياع / حزين الملامح / يبحث عن موعد الصحو / يا موسم الأمنيات /أتهزأ حقاً بمعنى الحياة / وتسخر من نهدات الشتات / أتخلق من كل عهد لها / وتدمي جراح القيود / وتبصر ساعتها الحب / منسحقاً بالحنين / يواجه عنف الشفاء / ألا فلتقاوم / ليشرق فجرك / يفضح زيف الظلام / أجنحة الضوء وردية / لن تلين قناة الضياء
في الإثنين 10 مايو 2010 09:58:33 م