|
حين تدير عصابةٌ دولةً يتضح الفرق جلياً بين معنى العصابة ومعنى الدولة، وهذا تحديداً ما يجري في اليمن منذ انقلاب ميليشيا الحوثي على الدولة والشعب واختطافها الدولة اليمنية ومصير الشعب اليمني.
ميليشيا الحوثي هي عصابة مؤدلجة، تتحرك وفق آيديولوجيتها المتطرفة ورؤيتها الضيقة ومصالحها الصغيرة، وتقدّم كل خدماتها للمشروع الإرهابي الطائفي الإيراني في المنطقة، ولا تمانع من توزيع الأدوار مع الجماعات والأحزاب الأصولية داخل اليمن وخارجه والتي تتبع المشروع الأصولي التركي المتحالف مع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية والمدعوم من قطر.
يؤكد الكثير من المؤشرات أن النظام الإيراني ومشروعه التوسعي الإمبراطوري الطائفي في انحسارٍ وليس في انتهاء بعد، وأنه يتجه إلى الفشل في العديد من الملفات والأزمات التي يديرها بينما تتصاعد قوة المحور العربي المعتدل الذي تقوده السعودية وحلفاؤها، لا في اليمن وحدها بل على الصعد كافة في المنطقة، في سوريا والعراق ولبنان وغيرها، وهو ينحسر من أفريقيا والقرن الأفريقي كما من دول جنوب شرقي آسيا ودول آسيا الوسطى وأميركا الجنوبية وغيرها، وعلاقاته بالإرهاب، إنشاءً وتصديراً ودعماً، باتت حديث العالم ولم يعد بالإمكان إخفاؤها أو التحايل عليها.
تحدث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مراراً عن المشروع الإيراني، وأنه يجب أن يعود للاهتمام بالداخل الإيراني، وأنه إذا لم يفعل فسوف يتم إجباره على تلك العودة والتخلي عن أحلام التوسع وبسط النفوذ، وهو ما يجري اليوم، فالنظام الإيراني يواجه العالم بقيادة الولايات المتحدة والرئيس ترمب، وثمة تحالفٌ دولي يُبنى للحد من سياسات النظام التخريبية والإرهابية حول العالم، والحوثي في اليمن مجرد عصابة تابعة صغيرة ستنتهي مع انتهاء العديد من الجماعات والأحزاب والتنظيمات والميليشيات التابعة لإيران.
في معركة الحديدة تجلى العبث الحوثي بأسوأ أشكاله، فهو لا يستطيع بأي حالٍ مواصلة المواجهة العسكرية الخشنة مع الجيش اليمني والمقاومة اليمنية المدعومة بكل قوة من قبل السعودية والإمارات والتحالف العربي، وهو يسعى في المقابل لإلهاء المبعوث الدولي بتفاصيل ومسائل جانبية بعيدة كل البعد عن جوهر ولبّ المشكلة الكبرى في اليمن كما أنها بعيدة كل البعد عن واقع ما يجري على الأرض في الحديدة، وهذا العبث الحوثي قد يكسبه بعض الوقت، ولكنه مجرد تأجيل للحسم الكبير الذي تدعمه كل الأدلة والمؤشرات.
من مظاهر العبث الحوثي الاحتماء بالمدنيين واستخدامهم دروعاً بشرية تعيق التقدم العسكري في الحديدة وغيرها، وهذا أسلوب عصابة لا يمتّ إلى معنى الدولة بأي صلة، وهي أخلاق محتلٍّ غاشمٍ ومستعمرٍ فاجرٍ لا أخلاق الشعب ولا المواطن اليمني، كسبها الحوثي من داعمه الإيراني، فهذا أسلوبه في تسليط الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية على المدنيين والأبرياء وقتلهم بأبشع الطرق وأشنع الاغتيالات والتفجيرات، فعل ذلك في العراق ولبنان وسوريا، والحوثي هو أداة فعل ذلك في اليمن.
الهزيمة ليس لها أبٌ، والحوثي وداعموه في إيران وقطر وغيرهما يتخبطون، فمرة تصرّح إيران بأنْ لا علاقة تربطها بالحوثي وتنكر دعمه بالصواريخ الباليستية والمدربين والقادة العسكريين وغيرهم، وتارةً تعرض المصالحة في اليمن نيابةً عن الحوثي، وتتحدث باسمهم وتقدم نفسها ناطقة عنهم، وهذا التخبط دليل على الحيرة التي تبعث عليها الهزيمة.
صرّح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قبل يومين بأن عزلة إيران ستزداد وأن الضغوط ستتزايد، وطالب وزير خارجية أميركا مايك بومبيو حلفاء أميركا بمزيد من الضغوط على إيران، وهو استمرار لنفس توجه البلدين وحلفائهما في المنطقة والعالم لإجبار إيران على ترك طموحاتها التوسعية ونفوذها التخريبي ودعمها لاستقرار الفوضى والإرهاب، وفي نفس الوقت تتصاعد الاحتجاجات والمظاهرات في الداخل الإيراني في أكثر من منطقة وتزداد المعارضة الإيرانية في الخارج قوة وتأثيراً، وهذا لا يعني إلا شيئاً واحداً، هو انحسار المدّ الإيراني في المنطقة.
العبث الحوثي تجلّى كذلك في تعامله مع الشعب اليمني، في المعتقلات والسجون وطرائق التعذيب البشعة التي يستخدمها ضد المواطنين اليمنيين، والتي توالى نشر نماذجها في السنوات الماضية، ومن آخرها ما نشرته «العربية نت» من صور مؤذية لما صنعه الحوثي بالمواطن اليمني منير محمد قايد الشرقي من تعذيب في السجون الحوثية، والصور ومقاطع الفيديو خير دليل لتوثيق جرائم الحوثي في تعامله مع الشعب اليمني.
لم يزل التحالف الدولي يمنح التصاريح للسفن الداخلة لميناء الحديدة، وضمان تدفق السلع والمساعدات الإنسانية والوقود عبر الميناء، استجابةً لحاجات اليمنيين الملحة في مواصلةٍ لعملية مستمرة من «إعادة الأمل» تقودها السعودية والإمارات، دعماً للشعب اليمني على الرغم من كل العبث الحوثي بتسييس المساعدات الإنسانية واستخدامها ورقةَ ضغطٍ على المدن والقبائل الرافضة لاختطافه الدولة اليمنية، وعلى الرغم من كل التقارير التي يصدرها بعض المؤسسات الحقوقية أو الإنسانية الغربية العوراء، التي تسعى لإدانة الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف العربي لأدنى سبب ولا ترى حجم وضخامة العبث الحوثي على المستويات كافة.
نقلت هذه الصحيفة، عدد الخميس الماضي، خطاب طارق صالح في تخريج لواءٍ جديدٍ ينضم إلى قواته وتحدث فيه بكل صراحة عن العبث الحوثي وادعاءاته الآيديولوجية بحقه الإلهي في حكم اليمن استنساخاً لتجربة نظام الولي الفقيه في إيران، وأكد ما يعلمه الجميع من أن المسألة في الحديدة مسألة وقتٍ، وهي كذلك لا في الحديدة فحسب بل في اليمن كافة، وكان صريحاً حين قال: «اليمن هي أصل العرب، وتنتمي إلى أمتها العربية، ما عمرها انتمت لا لفارس ولا للباب العالي في إسطنبول، اليمن عربية، وستظل عربية، نحن ننتمي إلى اليمن ولا ننتمي إلى عصابة».
التأني في الحسم في اليمن باعثه الأول هو الحرص على الشعب اليمني وأرواح مواطنيه والحفاظ على مقدراته، وفضح الحوثي وعبثه وممارساته على أوسع نطاقٍ ممكن، وسحب كل الحجج التي يدّعيها هو وداعموه في المنطقة والعالم، وضمان عدم قدرته على استخدامها ضد الدولة اليمنية والتحالف العربي، وهو أمرٌ مهمٌّ في إدارة أي حربٍ في العالم.
أخيراً، وصل الخميني إلى سدة الحكم في طهران بالمسودات التي كان ينشرها عن ولاية الفقيه وتنظيراته الضعيفة فقهياً لتلك الولاية المخالفة لما هو راسخٌ في الفقه الشيعي، ومن العبث الحوثي ظنهم أن «ملازم» حسين الحوثي ستجعلهم حكاماً لليمن إلى الأبد، والآيديولوجيا تعمي وتصمّ.
في الأحد 15 يوليو-تموز 2018 01:27:41 م