القضية الجنوبية .. الأرض والإنسان
بقلم/ إياد محمد الشعيبي
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً و 12 يوماً
الخميس 22 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 06:13 م

الحرية أساس كرامة الأمم والشعوب ، وهي مبدأ من مبادئ الإسلام الحنيف ، ولا يجوز الذل والخضوع والإستسلام إلا لرب السماء والأرض المتفرد بكمال العبودية وحده القائل ' وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ' ولهذا جاءت رسالة السماء لترسخ هذه المبادئ العظيمة على الأساس الذي يجعل للأمم أفرادا وجماعات أغنياء وفقراء حكاما ومحكومين منهجا سويا لا تفضيل فيه ولا عنصرية أو محاباة، وأن الناس سواسية كأسنان المشط ، وإلى مدرسة عمر الفاروق حيث قال لابن عمرو بن العاص جملته الشهيرة التي هزت وتهز أركان المتجبرين وترعد فرائص المستحمرين والطغاة والمتعنتين ' متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ' ليأتي مرسخا بذلك قيم العزة والكرامة من مكانته كحاكم مسلم حكم الشرق والغرب ونام تحت ظلال الأشجار آمنا .. ' حكمت فعدلت وأمنت فنمت يا عمر!!..'

ومن هذا المنطلق كان لزاما علي أن ألفت نظر الجميع بدون استثناء من أصحاب القرار في النظام الحاكم وذوي المسئولية في السلطة وإلى قيادات وهيئات الأحزاب والقوى السياسية وإلى كل فرد على التراب اليمني يهمه هذا النداء إلى أننا اليوم في الجنوب انطلقنا من هذا المبدأ الذي تربى عليه آباؤنا وأجدادنا وتعلمنا منهم أن الحرية لا تقدر بثمن وليس ثمنها سوى النصر أو الشهادة ، انطلقنا نحمل في أكفنا وبقلوبنا وعلى أكتافنا وفي رؤانا قضية شعب وأمة ووطن ، وإننا حين نقول وطن نقولها لأننا بتنا اليوم نفتقد لأبجديات هذا الوطن الكبير الذي أصبح فيه أبناء الجنوب مهمشين ومنفيين في مشارق الأرض ومغاربها ، وأصبحنا نحن أصحاب النصيب الأكبر في وحدة أقيمت على أساسها دولة الجمهورية اليمنية ، لا نمتلك من حقنا التاريخي والإنساني والسياسي في حياة حرة وكريمة سوى التهم الجزاف ، والمفردات المقيتة التي تصلنا تترى تلصق بنا كل معاني الخيانة والعمالة والانفصال وغير ذلك من الأوصاف التي تعكس كم نحن مظلومون حد الإجحاف ، فضلا عن طمس كل ما يمت للجنوب وتاريخ الجنوب بصلة ونهب وسلب ثرواتنا التي لا نمتلك منها سوى الدخاخين والغبار ، ومصادرة أملاكنا وأحلامنا وكل ما كنا نرسمه من غد مشرق وحياة تنتشل الجميع من واقعٍ مر عشناه ، لكن المأساة كانت حين تبددت الأنوار وانكشفت الحقائق ودُمّرت الجنوب في حرب 94 الظالمة ، وتوالت علينا لعنات الحاكم وغيه وجبروته وظلمه الذي دمر كل ما يمت للجمال والحضارة والإنسانية بصلة ، وعوملنا كأننا بقايا أسرى لحرب ضروس انتصر فيها الزعيم ، واعتبرت أرضنا 'أمَة حرب' فُضّت بكارتها وسلب شرفها وخيرها وتقاسمها أزلام الفساد وكبار المتنفذين من صانعي النصر وحماة الوحدة وأعمدة النظام الصالح..

ومن هنا ، يجب أن يدرك الكل بدون استثناء أن من يظن أن أبناء الجنوب سيتراجعون عن قضيتهم أو يتنازلون عنها بحلول مجتزئة ومختزلة فهو واهم واهم واهم ، وعلى الجميع أن يدرك بما فيها أحزاب المعارضة أن القضية الجنوبية قضية شعب وليست قضية تاج أو النوبة أو باعوم أو غيره وحسب ، وأنه كان من الأَولى لهم أن يكونوا أكثر وضوحا ومصداقية في مواقفهم تجاه هذه القضية ، وأما الجمل الواهية والعبارات المجزءة ليست صيغة لحل قضية باتت تمثل نقطة الفصل في واقعنا اليوم ، وعليهم أن يتعاملوا مع القضية كقضية يجب الاعتراف بها وحلها وتبنيها دون استحياء وخجل وتردد عهدناه كثيرا في مواقفهم تجاه مجمل القضايا ، هذا لأن الخيط لا زال فيه بقايا أمل ربما قد يكونوا روادا في الانتصار لمستقبل الوطن على حسابهم كقادة نضال لا قادة خطابات وبهرجات وحفلات، ولو كان الثمن هو خسارة الرمز صالح والدخول معه في معمعة من المواجهة الساخنة حتى ..!!

وإلا فإن أبناء الجنوب قادرون على أن يحققوا كل ذلك بأنفسهم ، فإرادة الشعوب لا تقهر ولن يتزعزع إيمانهم تجاه قضيتهم قيد أنملة مهما كانت الأثمان والنتائج ، فالحرية سلعة غالية ثمنها الأرواح ، والعيش بكرامة وعزة ورفعة هو قصد كل فرد هناك ..

إذا كان من دور هنا لأحزاب اللقاء المشترك يجب أن يكن فليكن اليوم قبل غد ، وليخرجوا من عبائة صمتهم وجحور مخابئهم ، وليقولوا كلمتهم الفصل في الأمر ، وإلا فإنه كما توالت اللعنات على نظام الرئيس صالح وأزلام سياسته فستتوالى عليهم أيضا كونهم أحد أعمدة الوطن التي تتحمل جزء كبير من الأزمة والواقع السيء الذي نعيشه اليوم ، وإن أي تخاذلٍ عن قضية الجنوب سيمثل هروبا من المسئولية وسيتحملون كل عواقبه اليوم وغدا وبعد غد..

النظام الحاكم ممثل بقيادته السياسية صالح لم يفتئ أن يمارس دور الفاشل في محاولة يائسة لتفادي الأزمة وإسكات زئير الأسد الجنوبي وإيقاف عرمرم التغيير ، فسعى ' وسعيه خبيث ' لمحاولات عديدة لشق الصف الجنوبي وتأجيج أي بوادر نزاع أو اختلاف بين وحدة حراكه السلمي محاولة منه لإفشال مشروع التصالح والتسامح الذي أقض مضجعه لما يمثله من وحدة الكلمة والقرار والمصير الجنوبي ، فالملاحظ لمعظم خطاباته الاستفزازية يجد أنه يحاول التشبث بورقة الماضي الأليم وإعادة ملفات صراع جنوبية إلى السطح ظنا منه أن يعيد نيران الفتنة ويوقدها من جديد كما فعل اليهودي شاس بن قيس في فعلته بين الأوس والخزرج بعد أن جمعهم الرسول الكريم على الإخاء والدين ..

فليمتعض هنا من أراد، وليقدحني من شاء ، فشخص بحجم الرئيس صالح من الواجب عليه نزولا عند المسئولية والواقع أن يكون أكثر صدقا ومسئولية في التعامل مع الحراك الجنوبي وأبناء الجنوب ، وتصرفات مثل تلك حين تصدر من شخص بحجم رئيس دولة هي بمثابة كارثة على رئوس الشعب والوطن ، رغم اللاغرابة في الأمر فالتاريخ مليء بالشواهد..

في الأخير.. أشد على يد كل الأخوة المرابطين والصابرين في الساحات والمعتقلات وفي الداخل والخارج على مواصلة مسيرة نضالنا السلمي والانتصار الصادق لقضيتنا الجنوبية دون خوف أو ملل ،فإن النصر مع الصبر و أن الحق حق والباطل باطل ، وعلينا أن نلتزم بأدبيات الحوار والتعامل الراقي والإنساني مع كل من نختلف معهم ، وأن نمثل الإنسان الحضاري الواعي والفكر الكبير الذي ينأى بذاته عن صغائر الأمور ، وأن نؤمن إيمانا شديدا أن الله تعالى لا يظلم أحدا..

ولا أنسى أيضا أن أتقدم بكل شموخ وإكبار وإجلال لتلك الأقلام النيرة والشخصيات الشريفة والحرة من أبناء المحافظات الشمالية التي تجسد يوما بعد آخر حبها وصدقها وإنصافها لقضية إخوانهم في الجنوب ، وتبرهن على ذلك في وقوفها معهم في كل المحافل والمواقع الإخبارية والمنتديات والصحف دون خشية أو خوف من تهديد أو وعيد الحاكم وتزلق الخانعين والناعقين من عبدة النظام والدينار ، فلهم كل الاحترام والتقدير ، وحروفي هنا ليست كافية لإنصافهم ، ولكن ذلك من باب التذكير والشكر ، فمن لم يشكر الناس لم يشكر