الأسباب الحقيقية لتأجيل أمريكا إسقاط الحوثي.
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: 5 أيام و 4 ساعات و 24 دقيقة
الخميس 19 ديسمبر-كانون الأول 2024 04:19 م
 

كان هدف عملية الإنزال البحري الأمريكية الأولى لاستعادة السفينة الاسرائيلية (ليدر شيب) المختطفة من قبل الحوثيين أواخر نوفمبر 2023 م بميناء الحديدة استكشافياً لتحديد ما بعدها من خيارات عسكرية للتعامل مع تهديدات الملاحة والتجارة الدولية.

 

وعندما تفاجأوا بمستوى قوة ويقظة الخصم خرق الأمريكان بعدها ثوابت قاعدتهم الإستراتيجية الأولى في سياسية ضبط النفس في منطقة باب المندب والبحر الأحمر, والقائمة على تجنب التصعيد والإشتباكات للحفاظ على أمن وسلامة مصالحهم التجارية.. والتي راهن على ضوئها الحوثيون في تمادي عملياتهم العسكرية خلال الثلاثة الأشهر الأولى من حرب غزة مع استحالة أي رد فعل عسكري أمريكي حازم.

 

 لم يطل الرد الأمريكي الذي باغتهم فجأة بعد أكثر من شهر واحد فقط فانتقلوا من حالة الدفاع بإسقاط الصواريخ والطائرات المسيرة إلى الهجوم المعاكس وتدمير وإغراق زوارق الحوثيين الحربية وقتل عشرات بداخلها قبالة باب المندب بتاريخ 31 ديسمبر 2023 م.. وتبني عمليات استباقية لاحقاً داخل الأراضي اليمنية.

 

إنتهت مرحلة الهجوم الحوثيين من طرف واحد على الناقلات وسفن التجارة الدولية المتجهة إلى إسرائيل لتبدأ مرحلة الإشتباكات البينية القاتلة مع الأمريكان والبريطانيين والتحالف الأوروبي التي تحاشوها بعد أن قادهم الغرور السابق مع صمت الطرف الأمريكي إلى الإحساس بالزهو والغرور والسيطرة.

 

فقدت خطوط وموانئ الملاحة الدولية وبلدان التبادل التجاري الكثير على مستوى العائدات والخسائر الناجمة عن تعطيل أو تغيير مسارات خطوط الملاحة الدولية.

ولم يحقق الأمريكان وحلفائهم البريطانيين والأوروبيين أي تقدم ملموس في تقليص الهجمات الحوثية على سفن التجارة وناقلات النفط وكبحها ولا في حماية حتى بوارج وحاملات الطائرات نفسها التي تحولت منذ مارس 2024 م إلى أهداف مباشرة لسلاح وكلاء إيران الذين توسعت هجماتهم أبعد لاحقاً لتشمل البحر العربي وخليج عدن و البحر المتوسط وبصواريخ فرط صوتية أقوى في أكبر تحدي احتفل به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باعتباره أكبر تهديد للأمريكان منذ الحرب العالمية الثانية, من خلالها عرفوا حجمهم على حد قوله.

 

*تخبط أمريكي غربي*

 

تبدو الهجمات الأمريكية-البريطانية الكبيرة ضد مواقع الحوثيين أكثر من عام كامل كحال الهجمات الإسرائيلية على موانئ الحديدة والصليف ومحطات كهرباء صنعاء لرفع المعنويات المحبطة أمام الآخرين فقط بإثارة إعلامية كبيرة بمشاهد الحرائق المندلعة.

 

** وكما ارتبطت ضربات الحوثيين المنفلتة من بداية حرب غزة لسفن التجارة والنفط والإمدادات برهانهم السابق على استحالة خوض أمريكا وغيرها أي مواجهة أو تصعيدات خطيرة ضدهم في البحر الأحمر وباب المندب لتجنب الإنزلاق الأمني وعرقلة التجارة الدولية, لا يزالون يراهنون اليوم أيضاً بالمنطق نفسه على إلحاق أسوأ الأضرار والخسائر الفادحة المهولة والمدمرة وغير المتوقعة بمصالح الطرف الآخر في المنطقة(علي وعلى أعدائي) تطال قبل كل شيء آبار ومنشآت وشركات النفط والغاز في السعودية والخليج العربي حال تعرضهم لخطر هجوم بري وجوي كبير ومباشر لإسقاطهم.

 

وربما تكون هي الجزئية الأهم المتحكمة اليوم بالحسابات الأمريكية الغربية القادمة وتؤخر قرار مجازفة الحسم العسكري المباشر مع الحوثيين كل مرة إلى أجل غير مسمى مقابل تمادي عمليات مليشيات إيران أكثر على وقع مخاوف وذعر الخصوم من خسائر اقتصادية وتضحيات باهضة الكلفة وغير مضمونة النتائج.

 

*ألأسباب الحقيقية لتذبذب أمريكا*

 

وباعتقادي إن سبب تأخر قرار الحرب المباشرة على الأرض الذي طالما تردد إعلامياً وأوحت به التحركات العسكرية والسياسية في المنطقة ليس حساب الآثار الإقتصادية لاحتمال مهاجمة منشآت النفط والغاز في المنطقة فقط بل يعود قبل كل شيء إلى الفشل الأمني الإستخباري الذريع الذي مني به التحالف الأمريكي البريطاني وإسرائيل على السواء دون التمكن من مخابئ ومصانع الأسلحة الصاروخية ومنصات إطلاقها والطيران المسير ولا معرفة أدنى المعلومات عن مواقع تخفي زعيم الجماعة الحوثية وكبار قادتها المطلوبين بما يعنيه القضاء عليهم من أهمية قصوى في حسم المعركة ولو مقابل ثمن باهض كمصادر الطاقة وبنيتها الأساسية.

 

ويرسم بنك الأهداف المدنية لبنية محطات الكهرباء ومينائي الحديدة ورأس عيسى التي هاجمتها إسرائيل أمس في صنعاء والحديدة صورة التخبط والفشل العسكري التي عليها الأطراف الأخرى أيضاً منذ عام تقريباً وهي تفاقم السخط الشعبي في اليمن ضدها بالقضاء على بنية الخدمات الأساسية فقط لا على الحوثي نفسه الذي ظهر عصياً على الكسر أمام خصوم الخارج والداخل معاً.

 وإذا توفرت المعلومات الميدانية الدقيقة الضامنة بنظري لنجاح أي عملية عسكرية برية كبيرة وحاسمة للأمريكان وحلفائهم لنزع صواريخ الحوثي لربما تقبلوا تداعيات خسارة أي هجوم مضاد محتمل على آبار ومنشآت النفط والغاز وأعلنوا ساعة الصفر لاجتثاث وإسقاط الخصم وتصفيته.

 

ويمتد خطر الحوثيين ليس بسبب امتلاكهم قدرات صاروخية وطيران هجومي مسير ومعامل إنتاج الأسلحة ولا لعلاقتهم بإيران أيضاً أكثر لجهة خطورة مشروعهم الآيديولوجي العنصري الاستحواذي التاريخي على الحكم والأرض والثروة وإخضاع البشر.

 

   *ألحوثي والفأر الأخير*

 

يذكرنا رهان الحوثيين على التهديد بإحراق آبار نفط وغاز السعودية والإمارات والخليج العربي والأخضر واليابس بحالة الشخصية الشعبية (جحا) الذي كان يتهرب من دفع ثمن اللحم الذي يأكله يومياً في المطعم ثم يخرج من جيبه فأراً ويدسه في وعاء المرق بعد انتهائه من التهام اللحم ويصيح(تشتونا ادفع حق الفأر) فيتغاضون عن الثمن.

إلى أن جاء يوم أكل فيه جحا اللحم وعندما طلب المرق تفاجأ بعدم توفره ثم أخرج الفأر من جيبه وهو يصيح بهيجان: وهذا فين أطرحه !!.

 

و الحوثي الذي يهدد الجيران والأمريكان بيوم القيامة والقارعة والحشر وإشعال المنطقة بالصواربخ والطيران المتفجر لم يستوعب بعد إن إحراق العالم كله لن يغير من قرار القضاء عليه اليوم أو بعد سنوات وإن تأخر فقط أو استغرق وقتاً أطول بكثير من ما يتوقعه أو يتمناه اليمنيون.

وكل الحيل والألاعيب الماكرة والتظاهر بقبول خارطة الطريق وحماسته الحالية للتوقيع عليها, لن تتجاوز فقط هدنة طويلة وليس وقف الحرب, وصرف المرتبات والأجور باستئناف تصديرىالنفط والغاز, وربما توحيد العملة فقط مع بقاء وضع السيطرة العسكري وانقسام البلاد والعباد كما هي عليه حبراً على ورق, فلا مرحلة انتقالية ولا تسليم سلاح ومؤسسات الدولة وغيرها ولا انتقال سلمي للسلطة ولا السلتة, مما يتظاهر به الحوثيون في وسائل الإعلام كلما أرادوا تقليل الضغوطات و الإحتمالات السيئة عليهم بتلويح أمريكا وغيرها بالحرب.