المغتربون .. بين قهر المهجر .. ومطرقة مجور
ابو الحسنين محسن معيض
ابو الحسنين محسن معيض

الغربة عذاب والمغتربون متألمون فيها .. ما بين الالم الجسدي المتمثل في الكد والوقوف لساعات طويلة منذ الصباح الى انصاف الليالي كسبا للرزق او في السفر لمسافات طويلة تسويقا للمنتجات .. وبين الألم النفسي المتمثل في تذوق طعم مرارة الفراق والبعد عن الأحبة والخلان أوفي صغر النفس وتنازلها عن الكثير من كبريائها امام مجتمع انت فيه غريب واجنبي أتيت لتعيش على خيره وتنعم من بركاته حينما تخلى عنك وطن مددت اليه ذراعيك لتحضنه فولاك ظهره لتهجره .. وما بين هذا وذاك ينظر المغترب بحسرة الى حالته يعد الساعات .. الايام .. الشهور .. السنين .. متى يوم العودة .. متى الخلاص النهائي لنعود الى وطننا الذي احببناه فأبى ولاته الا أن يرحلونا عنه ظلما وقهرا حينما لم يوفروا لنا أبسط اسباب الحياة الكريمة السعيدة .. فهاجرنا لنعمر بلادا اخرى فكانت علينا ارحم ممن هجرناه ..

ــ يتالم المغترب لانه يعلم أن خير بلاده كثير وسيكفي الجميع ويفيض لو توفر له حاكم تقي ورع يعدل بين الناس ويقسم الخيرات بينهم بالسوية بدلا من نهبها وتوزيعها على البطانات المقربة ومراكز القوى المؤثرة تثبيتا لكرسي حكمه المتأرجح وكيانه المهزوز !! كيف لا وقد كان تقرير اهل الاختصاص ان 4 مليارات ذهبت في عام 2009 الى قنوات الفساد بدلا من قنوات البناء والتعمير والتنمية والتطوير !! كيف لا .. ولدينا ساحل طويل ممتد من الحديدة الى المهرة .. وبحر زاخر بالخيرات والاحياء المائية الثمينة .. سياحة .. نفط .. غاز .. موقع استرتيجي يدر الألماس بدلا من الذهب .. موانئ هامة .. جزر رائعة الجمال .. وكم من المصادر والمناهل والاسباب التي لو استغلت بشكل اقتصادي واستثماري صحيح لكانت ستدر على البلاد دخلا قوميا لا يعد ولا يحصى ولكفتنا المؤنة ورفعتنا الى مصاف الكبار الاقوياء ولكان شعارنا : (اسمو بروحك انت يماني )!!

ــ ويتألم المغترب وهو يرى بلادا اخرى ليست لديها نصف مقدرات بلادنا ومواردها وبحارها ولكنها تعيش في عز ورخاء واكتفاء في ظل سياسات اقتصادية مدروسة وخطط فاعلة ومنفذة .. والاهم من ذلك انها حكومات تحترم شعبها وتضع من مقامها جسرا ليعبروا عليه الى بر الخير والامان

ــ يتألم حينما يرى الفرق الكبير الواضح بين وطنه والدولة المغترب فيها .. الأمن والامان .. الرفاهية والاستقرار .. قوة الدولة واحترام النظام وتطبيق القانون .. الحب المتبادل بين الراعي والرعية ..وجدوا من يحقق لهم رفعة وعزة ويشاطرهم الخيرات ويقاسمهم العطيات .. فيتحسر المغترب المتعب المنهك المسكين على ما وصل اليه وطنه من فوضى ادارية وتفلتات امنية .. قتالات وحروب وثارات .. محسوبيات وعصابات .. ضرائب قاصمة وأتاوات .. هشاشة الدولة واستيلائها على الخيرات .. ناهيك عن تضجر الراعي من الرعية وتأفف الرعية من حاكم الجمهورية .. وربما وصل حالهم الى تمني حكم بني امية او ليكونوا رعية في الدولة العباسية ! لا يهم .. المهم الخلاص من هذه الحكومة الحالية

ــ يحلم المغترب في اليقظة والمنام بأشياء يراها مستحيلة ولكنه يمني النفس بتحقيقها يوما ما .. يحلم بحاكم يعلن على الملاء أن على كافة المواطنين اليمنيين في الخارج بالعودة الى وطنهم خلال عام من تاريخه لينعموا فيه بكل متطلبات الراحة والامان بدلا من الشتات والاغتراب .. ولكنه استيقظ مفزوعا بفعل كابوس مخيف كان بطله رئيس وزرائنا الهمام .. مجور الضرغام .. لقد طالب مسئولونا دول الخليج باستيعاب اكبر قدر ممكن من الشعب في بلادهم كعمالة جديدة .. ويرون انه الحل الاساس والرئيس لكل مشاكل التنمية في بلاد حكومتها من الاخلاق أمية.. والصحيح ليتنعموا هم بوطن خالي من الرعية .. على شرط ان يكون اكثر العمالة الخارجة جنوبية !! ولم يفكروا يوما بالتنمية والاكتفاء الذاتي واعادة المهاجرين بدلا من زيادتهم.. أوالعمل على رفع الشدائد من على كاهل الشعب في الداخل والخارج .. ابدا فذلك أخر ما قد يخطر ببالهم !! 

ــ يحلم بدولة وسلطة تقدر ظروفه وتراعي مصالحه وتتفقد حاله وتسهل امره وتيسر عمله .. بدلا من النظر اليه كدجاجة تبيض ذهبا او كعالة تخلصوا منها اخيرا .. يحلم أن يكونوا له خداما ومساعدين بدلا من متسلطين مستغلين ولما في جيوبه من مال طامعين .. يحلم بأن يحضنوه بحب وأخوة بدلا من ركله او ضربه كالكرة .. الى اقرب مرمى او الى أبعد حفرة .. 

ــ يحلم المغترب ويتمنى العودة ليبداء مشروعا صغيرا بمدخراته القليلة ولكنه لا يرى في الوطن ما يشجع على ذلك ولا يجد ما يبشر بالخير .. فساد .. محسوبية .. قانون الغابة والواسطات .. ظلم .. مافيا تجارية .. فيستكين ويتحمل ويتجرع ألامه ويرضى بأخف الضررين عليه وسيظل يدور مربوطا بالساقية على امل غد لا توجد اليد الصادقة المخلصة التي ستصنعه بعد .. 

ــ ويحلم أن يتعلم حكامنا ويكونوا كجيراننا في الحكمة والعطاء .. فقلة الموارد ليست عذرا لهذه الملاحم المخزية .. فانهم لو جادوا حقا بالموجود لأغنانا عن التسول في المحافل الدولية والتمزق في البلدان العربية والغربية .. وطرد شعبنا عن تراب ارضه بحجج مضحكة وواهية !

ــ والمغترب يحمل هم وطنه ويعيش احداثه ويتفاعل معها قلقا وخوفا .. تعميقا وتضخيما أكثر من المقيم فيها .. فربما قام عند سماع خبر ما بالاتصال فجرا باهله متسائلا بقلق عن ذلك فوجدهم لا يعلمون عنه شيئا وغير قلقين بشأنه .. فاجتمع عليه غم الفراق وهم عدم الوفاق ..

اردنا العودة ويريدون لنا الخروج من جديد ..

اردنا الاستقرار ويريدون لنا الشتات الى بعيد ..

اردنا العزة والحرية ويريدون لنا مزيدا من قيود الحديد ..

اردنا وطنا ننام فيه قريري العين ويريدون لنا الارق والسهد المديد ..

غربتك طويلة ومريرة أيها المغترب العتيد .. ولا يلوح في الافق سحاب خير ولا ضوء فجر أكيد

اااااه يا وطن بادلتني بالحب جفاء ..

وبالوداد عداء .. وبالثقة عدم الوفاء ..

  لست أنت المخاطب الملوم بكلامي الجهوري

ولكنه من يجلس متربعا .. مغرورا .. مكابرا ..

على عرش قصرك الحكومي والجمهوري ..!!.


في الأحد 07 فبراير-شباط 2010 03:25:28 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=6473