ماذا فعلت الحكومات العربية لمواجهة المخدرات؟
إحسان الفقيه
إحسان الفقيه
 

شاب يلقى حتفه بجرعة زائدة من المخدرات.. رجل يقتل زوجته وأولاده تحت تأثير المخدرات.. شاب يغتصب أمه خلال وقوعه تحت تأثير المخدرات..

شاب يبيع إحدى كليتيه ليشتري بثمنها المخدرات.. هي عينة من أخبار يومية تجدها في الصحف والمواقع العربية، أصبحت أخبارا معتادة لا تثير دهشة القارئ من كثرتها، بل حُكي لي أن امرأة رهنت رضيعتها لدى تاجر المخدرات لكي يعطيها جرعتها، على أن تعود له بعد أن توفر الثمن لتسترد الرضيعة، فضلا عن حكايات انتشرت كالنار في الهشيم، عمن باعوا شرفهم وأعراضهم من أجل المخدرات، وعن بيوت كثيرة شهدت حالات الطلاق، لأن الأب مدمن، وينفق أمواله لشراء المخدرات، بينما يحرم أهل بيته من قوتهم ومتطلبات معيشيهم. لعنة المخدرات أصابت الشباب في الوطن العربي بشكل غير مسبوق، وفي بعض البلدان العربية لا يتساءلون عن أعداد الشباب الذين يتعاطون المخدرات، بل عن أعداد الذين لا يتعاطون المخدرات، إذ أنهم صاروا قلة، فلا يكاد يخلو بيت من شاب مدمن، أو يتعاطى المخدرات بشكل متقطع. حجم الكارثة يفوق الخيال، بينما نحن في سبات عميق، البيوت تنهار، والشباب ضائع، هل هناك من كارثة أكثر فداحة من أن يتمحور شاب حول المخدرات، وتغدو هي كل ما يفكر فيه، من أجلها يسرق، ويحتال، ويبيع أثاث بيته، مثل هذا الشاب لا قدرة له على تحصيل علمي، ولا طاقة له يبذلها في العمل، فيغدو مسخا، عاطلا، متخلف التفكير، ضعيف العقل والجسد، لا يقيم وزنا لتعاليم دينه أو أعراف وقيم مجتمعه.

 

لعنة المخدرات أصابت شباب الوطن العربي بشكل غير مسبوق، والبعض لا يتساءل عن أعداد الشباب الذين يتعاطونها، بل عن الذين لا يتعاطونها أتساءل إزاء هذه الكارثة المزمنة المتفاقمة عن دور الحكومات العربية في مواجهة المخدرات، التي تفتك ببنيان المجتمعات، ماذا قدمت؟ أتعجب لمن يسخّرون قوى الدول من أجل محاربة الإرهاب، بينما لا يبذلون معشار هذه الجهود لمحاربة إرهاب أقوى وهو إرهاب المخدرات، نعم أقولها بلا مبالغة، فالإرهاب الأول محصور في جماعات محدودة، لها تمركزها الجغرافي ونهجها الفكري، وتسهل مواجهتها بالقوة، أما إرهاب المخدرات فهو الأخطر، إذا أنه إرهاب خفي لا يمكن حصره، متمدد في كل بقعة جغرافية في المجتمع، وفي جميع شرائح المجتمع بلا استثناء، سواء في الطبقات الفقيرة أو الراقية. الدور المهترئ الذي تقوم به الحكومات العربية للقضاء على المخدرات، فتح باب الحديث عن مؤامرات خارجية داخلية لإغراق الأسواق بالمخدرات، من أجل إقصاء الشباب عن التفاعل مع قضايا مجتمعاتهم، واستفادة هذه الحكومات من تثبيت سلطتها على جثمان وعي الشباب.

كيف يتم تهريب المخدرات إلى داخل الدول العربية على هذا النحو البشع؟ أين حرس الحدود والسواحل؟ وأين مواجهة التصنيع الداخلي للمخدرات؟ من يسمح بتمرير كل هذه الشرور؟ هل عجزت الحكومات العربية عن القضاء على المخدرات لضعف قدراتها؟

أم بسبب تعاظم الفساد بين الزمرة المتنفذة وأصحاب الحصانات الدبلوماسية الذين يتاح لهم تمريرها؟ الجهود المبذولة في غاية السطحية والضعف والاهتراء، فماذا تغني بضعة إعلانات توعوية على الفضائيات، أو حملة واهنة لمكافحة المخدرات على سبيل البروباغاندا والتلميع، وما نسبة ما يتم ضبطه من شحنات التهريب بالنسبة إلى الحجم الكلي لتهريب المخدرات؟ لا تكاد ترى التعامل الحاسم من قبل الحكومات، إلا مع السياسيين وقضايا الرأي، بينما نرى الخور والضعف في التعامل مع تجار هذه السموم! الحكومات تتحمل مسؤولية إغراق الشباب في أوحال المخدرات، تتحمل هذه المسؤولية بالتهاون مع الفاسدين الذين يدخلونها إلى البلاد، والتقاعس عن الضرب بقوة على يد المجرمين، وأقسم أن بعضهم حدثني أن في بعض البلدان العربية يدفع الضباط بكميات من المخدرات التي يتم ضبطها في عمليات التهريب، إلى تجار المخدرات ليقوموا بتوزيعها وتقاسم العائد المالي. الحكومات تتحمل هذه المسؤولية بعدم تصديها للبطالة، التي أوقعت الشباب في حيّز بالغ الخطورة من الفراغ والإحباط بسبب انسداد الأفق لمستقبل أفضل، ومن ثم تكون المخدرات هي الملجأ الوحيد بالنسبة إليهم.

الحكومات تتحمل هذه المسؤولية بالسماح بالعفن الفني الذي نراه في الأعمال الدرامية من أفلام ومسلسلات، تشجع على الرذيلة، وتهون تعاطي المخدرات في أعين الشباب، بل كثيرا ما يتم إظهار البطل على أنه يتعاطى الخمور والمخدرات، وهو تشجيع غير مباشر للتقليد في هذا الجانب. الحكومات تتحمل هذه المسؤولية بالتقصير الواضح في توعية الشباب والاهتمام بتنميتهم وتثقيفهم وإكسابهم معارف ومهارات تمكنهم من أن يكونوا عناصر إيجابية في مجتمعاتهم، ومن ثم يشعرون بالضياع، ويتجهون للبحث عن السعادة في هذه السموم.

ثم، ماذا قدمت هذه الحكومات للمدمنين؟ لا شيء، بعض الدعايات والحملات التي يظهر فيها بعض الفنانين أو لاعبي الكرة ليقول للشاب أنت أقوى من المخدرات، أهذا كل شيء؟ بالنظر إلى مستشفيات علاج الإدمان في الدول العربية، تكتشف في مجملها أنها مجرد مشروعات استثمارية في القطاع الخاص، مؤسسات قائمة على الربحية، وتكاليف العلاج فيها باهظة لا

يستطيعها سوى الموسرين، وأما المستشفيات الحكومية فهي أبعد ما تكون عن أهلية التصدر لعلاج المدمنين، وتكون أشبه بالسجون، وحدثني بعض الأصدقاء في إحدى الدول العربية أنه يتم تسريب المخدرات داخل مستشفيات حكومية لعلاج الإدمان، بينما المستشفيات الخاصة يتطلب العلاج فيها مبالغ تعجيزية للبسطاء. لماذا لا تتم الاستفادة من تجربة الصين في مكافحة المخدرات؟ فقد أنهت الحكومة الصينية مأساة المخدرات تماما، عن طريق تدابير صارمة لمحاصرة خطوط نقل المخدرات، ومراقبة الموانئ والمطارات بشكل جدي، حتى طرود البريد تمت مراقبتها بصورة جيدة،

وطبقت أقصى العقوبات على تجار هذه السموم، وصل في بعض الأحيان إلى الإعدام. وكان لشبكة المعلومات القوية التي أنشأتها الصين لمكافحة المخدرات، أثر بالغ في التصدي لهذه الكارثة، حيث تضمنت بيانات أساسية لمدمني المخدرات والمجرمين المشتبه فيهم، وحالات الجرائم، واستخدام نظام المعلومات الدقيق لتحليل المشتبه فيهم، والضرب بيد من حديد على يد التجار. وبالتوازي مع ذلك، عملت الحكومة الصينية على رفع الوعي الجماهيري في مواجهة المخدرات، وكان العمل الدؤوب لهيئات مكافحة المخدرات في الأنشطة التثقيفية للمجتمع. أرى أن كلمة السر في نجاح الصين في إنهاء صداع المخدرات، هو وجود إرادة حقيقية للحكومة الصينية لمواجهة الأزمة، وجعْل هذه القضية على رأس أولوياتها.

إننا إذ نتحدث عن تجربة الصين في مواجهة المخدرات، فإننا نتحدث عن دولة كانت تواجه تحديات دولية ضخمة، فرأسمالية أوروبا وأمريكا فرضت المخدرات على الشعب الصيني، وهناك حرب معروفة بحرب الأفيون عام 1839، حيث خاضت بريطانيا هذه الحرب ضد الصين لتفرض عليها عدم التصدي للمراكب الإنكليزية التي تجلب الأفيون إلى الصين، ومع كل هذا استطاعت الصين أن تقضي على المخدرات.

 

لا أبالغ بالقول باستحالة أن تنهض بلادنا في ظل تفشي إدمان المخدرات، خاصة بين أوساط الشباب، وليس هناك مفر من قيام الحكومات بدورها على الوجه الأكمل، لا أن تظل على هذه الحال من التصدي الهزيل الصوري للمخدرات، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. *كاتبة أردنية


في الإثنين 17 إبريل-نيسان 2023 11:12:07 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=46350