عندما يتاجر العرب بالجنس!
دكتور/فيصل القاسم
دكتور/فيصل القاسم

يشتكي الكثيرون من قيام بعض الفضائيات العربية بتكريس شاشاتها للبرامج والمسلسلات والأفلام الأمريكية ونشر القيم والأخلاق التي تتناقض مع ثقافتنا العربية والإسلامية. ويزعم المنتقدون للقنوات التي فتحت أبوابها على مصارعها للأعمال التلفزيونية الأمريكية بأن الأخيرة "تدعو للحرية والانسلاخ عن القيم والاعتقادات الدينية الإسلامية... انطلاقاً من تسليط الضوء على مجتمع يغلب عليه الانحلال الخلقي .. ففي سنة واحدة قد نشاهد الخمر في الأعمال التلفزيونية الأمريكية المعروضة على بعض القنوات العربية وقد زادت على خمسة وأربعين ألف مرة... كما نشاهد المراقص الليلية أكثر من ثلاثين ألف مرة في نفس القناة. والهدف من وراء ذلك،حسب المنتقدين، إثارة الشهوات الكامنة ونشر الفاحشة والدعوة الصريحة للزنا واللواط والسحاق... ولو تأملنا بقية المشاهد ذات الصلة لوجدنا أنها حرب على الدين ومظاهر التدين في المجتمع المسلم.... لا بل إننا أمام حملة فكرية شهوانية مدمرة تحتاج منا إلى وعي وعمل جاد للوقوف أمام هذا السيل الجارف من الإفساد في الأرض"، حسبما ترى إحدى الدراسات الأخيرة.

لا أدري لماذا يتم التركيز فقط في مثل هذه الدراسات التبسيطية على الأعمال التلفزيونية الأمريكية والأجنبية واتهامها بإفساد الذوق العام وضرب الثقافة العربية والإسلامية، بينما يتم تجاهل الأعمال التلفزيونية والسينمائية العربية! ألم تصبح بعض الأعمال العربية أكثر خطراً على مجتمعاتنا من الأعمال الأجنبية، خاصة أنها تــُقدم لنا بلسان عربي فصيح، ناهيك عن أنها تأتينا بوجوه وتوجهات وبيئة عربية قلباً وقالباً؟ يكفي أن المشاهد العربي عندما يشاهد فيلماً أو برنامجاً أمريكياً فهو يدرك في اللاشعور بأنه يرى عملاً أجنبياً غريباً عن ثقافته، بينما لا يساوره نفس الشعور عندما يرى عملاً عربياً لحماً ودماً، فيأخذه على أنه مقبول.

قبل أن نزبد ونرغي ضد الأعمال التلفزيونية الأجنبية التي تقدمها بعض الفضائيات العربية علينا أن ندقق فيما تعرضه قنواتنا من فيديو كليبات غنائية أكثر انفلاتاً وانسلاخاً وتفسخاً من الأعمال الغربية بكثير. ألم تتحول بعض الأغاني العربية المصورة إلى كليبات جنسية بامتياز؟ ألا نشاهد بعض المطربات وهن يؤدين بعض المشاهد شبه عاريات في الحمامات تحت رغوة الصابون، أو على الأسرّة وهن يتمايلن ويتغنجن بطريقة تفوق المشاهد التي نراها في الأفلام الأمريكية ميوعة وشهوانية؟ ألم تصبح الفتيات العاريات لازمة من لوازم أي فيديو كليب عربي؟ ألم تلجأ بعض المطربات المحترمات إلى التعري في فيديو كليباتهن كي تجذبن مزيداً من المشاهدين بعد أن اكتشفن أن اللباس المحتشم لا ينفع في الأغاني المصورة؟ ألا يزيد عدد الفضائيات الغنائية العربية على ثلاثمائة قناة؟ أيهما أخطر في هذه الحالة القنوات التي تعرض أعمالاً أمريكية وتعد على الأصابع، أم هذا الكم الهائل من فضائيات "الهشيك بيشك" التي لا هم لها سوى تسليع المرأة والمتاجرة الجنسية بمفاتنها ومحاصرتنا بالكاسيات العاريات بكرة وأصيلاً؟ زد على ذلك أن عدد مشاهدي القنوات التي تعرض الأعمال العربية يفوق بكثير عدد الذين يشاهدون القنوات العربية التي تعرض مسلسلات وبرامج وأفلاما أمريكية وأجنبية.

ثم هل تعرفنا على مشاهد احتساء الخمور فقط في المسلسلات والأفلام الأمريكية، أم أننا شاهدناها منذ عشرات السنين في الأفلام العربية؟ ألم تكن موائد الأفلام المصرية عامرة بالويسكي والشامبانيا والنبيذ بلونيه الأحمر والأبيض منذ عهود؟

ولو ظل استثمارنا العربي في الفضائيات الغنائية أو البورنو الجنسي الخفيف لهان الأمر، فحسب آخر الدراسات والأبحاث التي يوردها الكاتب المغربي عزيز باكوش، فقد "تنامى استثمار الرأسمال العربي في الخارج، وعزز سيطرته واحتكاره لفصيل خاص من الإرسال الفضائي، المتمثل أساساً في قنوات الجنس والإباحية، الأمر الذي دفع جريدة اسكتلندية أن تنجز تقريراً مهما اعتبرت فيه "أن أكثر من 320 قناة فضائية إباحية على الأقمار الأوروبية مملوكة لرجال أعمال عرب باستثمارات تفوق 460 مليون يورو" . وأضافت الصحيفة الفنية "أن رجال الأعمال العرب الذين أقاموا قنوات جنسية على الأقمار الصناعية الأوروبية جنوا مكاسب تخطت المليار يورو خلال سبع سنوات فقط،". كما تفيد الشركات الأوروبية التي تعمل في مجال الأقمار الصناعية بالشرق الأوسط بأن الطلب يزيد على البطاقات المشفرة الخاصة بفتح القنوات الجنسية ذات الاشتراكات الشهرية أو السنوية.

وتضيف الصحيفة بأن "بعض شعوب المنطقة العربية مهووسة بالجنس، مبرزة آليات اشتغال وتوظيف جزء كبير من الرأسمال العربي في الثقافة الجنسية بمختلف تجلياتها، مرجعة ذلك إلى إقبال معظم سكان المنطقة، وبصورة كبيرة على الأعمال التلفزيونية ذات الطابع الجنسي".

وهنا نقول للذين يهاجمون القنوات العربية التي تعرض أعمالاً أمريكية: لا تلوموا البائع وتتركوا المستهلك. فالمسألة عرض وطلب. فالثقافة العربية التي تعاملت مع الجنس كرجس من عمل الشيطان، أو كخط أحمر جعلته أكثر إغراءً تتاجر به القنوات الفضائية في زمن السماوات المفتوحة، على مبدأ كل ممنوع مرغوب.

وبالتالي فإن الخوف على مجتمعاتنا يجب أن يكون الآن مما تصنعه أيادينا العربية تحديداً في الداخل والخارج، وليس مما تنتجه أمريكا وغيرها. فلماذا نضرب البردعة ونترك الحمار؟ 


في الأربعاء 15 أكتوبر-تشرين الأول 2008 04:24:55 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.org
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.org/articles.php?id=4293